للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: مَا تَوَعَّدَ الشَّارعُ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ.

[المُحْصَنَاتِ] (١)، وَالزِّنَا، والفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ (٢)، …


= الجلوس بالمسجد؛ لأنه يؤدي إلى امتهانه بكثرة لغط الخصوم، وقيل: يكره الجلوس بمنزله؛ فقد أنكره عمر على أبي موسى الأشعرى وأمر بإضرام داره عليه نارًا، وقيل: لا بأس بالجلوس فيها متى جعلها مباحة، ونقلوا عن مالك أنه قال: "لا بأس أن يقضي القاضي بمنزله، وحيث أحب" ولكل من هذه الأقوال أدلة مذكورة في محالها. ومن يتأمل في كلامهم يجد أنهم متفقون على أن المطلوب هو الجلوس للحكم بمكان لا يترنب عليه محرم، ولا يمنع من الوصول إلى الحق وإقامة العدل، وعلى هذا فاتخاذ دور مخصوصة لإقامة الأحكام فيها كدور المحاكم الحاضرة، لا مانع منه على كل الأقوال. وقالوا: يكره له الجلوس للحكم في المواسم كالعيد وقدوم الحاج، وفي الأوقات التي يشق على الناس الحضور فيها كوقت نزول المطر والعواصف الشديدة. ويندب له تأديب من أساء عليه في مجلسه، وإن لزم منه الحكم لنفسه خشية انتهاك حرمته، إلا في مثل: اتق الله في أمري فيرفق به، ولا يجوز له تأديبه؛ لأن هذا ليس فيه إهانة، وكذا من أساء على خصمه أو شهوده بحضرته كأن قال له: يا فاجر أو يا ظالم. لا إن قال: شهدت بباطل أو ظلمتني؛ فإن هذا ليس فيه إساءة، وأما بغير حضرته فلا يؤدبه إلا إذا ثبت ذلك ببينة أو إقرار.
وذكروا كيفية جلبه للخصوم فقالوا: يجلب الخصوم إما برسول، أو خاتم، أو أمارة أو ورقة إن كان على مسافة القصر فأقل بمجرد الدعوى، وإن كان على أكثر منها فلا يجلبه إلا إذا شهد شاهد بالحق خشية أن يكون الغرض التشفي من المدعى عليه، وإنما يجلبه إذا كان بمحل ولايته. وقالوا: إن سماع الدعوى يكون حيث يوجد المدعى عليه على الأرجح.
هذا بعض ما ذكروه من آداب القاضي وكيفية سيره في الدعاوى. ومن ينظر فيه وفي غيره مما ذكروه في ذلك يتبين له أن الدين الإسلامي قد أرشد إلى أنظمة الحكم أحسن إرشاد، ورسم للقاضي أحسن الخطط التي لو سار عليها ما عرف الجور إلى حكمه سبيلًا. وأن ما أرشد إليه ورسمه يفوق المذكور في لوائح المحاكم الحديثة في شرف الغاية ومساعدته على إقامة العدل على خير الوجوه. ولا ينقصه إلا الترتيب والتنظيم، وهو أمر يسير لا يتوقف الوصول إلى المقصود عليه.
(١) في ت، ح: المحصنة.
(٢) قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾، في هذه الآية ينهى الله المؤمنين عن الفرار من الكفار إذا التقوا بهم في القتال،=

<<  <  ج: ص:  >  >>