للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَعْضُ الْمُبَاحِ كَاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ وَالاِجْتِمَاعِ مَعَ الأَرْذَالِ وَالْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ مِمَّنْ لا تَلِيقُ بِهِ وَلا ضَرُورَةَ.

والسِّحْرُ (١)، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيْمِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ المُسْلِمَيْنِ، والإِلْحَادُ فِي الحَرَمِ".


= وذهب المالكية إلى جوازه ما لم يبلغ جيش المسلمين اثني عشر ألفًا غير مختلفين على أنفسهم، فإن بلغ هذا العدد مع الاتحاد حرم الفرار، ونسبه الجصاص إلى الحنفية، ورأى صاحب البدائع منهم أن العبرة بالقوة والاستعداد دون العدد فقال: والغزاة إذا جاءهم جمع من المشركين ما لا طاقة لهم به وخافوهم أن يقتلوهم، فلا بأس لهم أن ينحازوا إلى بعض أمصار المسلمين أو إلى بعض جيوشهم، والحكم في هذا الباب لغالب الرأي، وأكبر الظن دون العدد، فإن غلب على ظن الغزاة أنهم يقاومونهم يلزمهم الثبات، وإن كانوا أقل عددًا منهم، وإن كان غالب ظنهم أنهم يغلبون فلا بأس أن ينحازوا إلى المسلمين؛ ليستعينوا بهم وإن كانوا أكثر عددًا من الكفرة" وذهب ابن حزم إلى تحريم الفرار مهما بلغ العدد.

"الأدِلَّة":
استدل الشافعية والحنابلة بقوله تعالى: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ الآية - وجه الاستدلال: أنها دلت على وجوب ثبات المائة للمائتين بعد أن كان الواجب أن تثبت المائة للألف، وذلك تخفيف من الله ورحمة. وعلى ذلك فإذا زاد الكفار على هذه النسبة جاز للمسلمين الفرار.
واستدل المالكية بما رواه الزهريّ عن أنس بن مالك عن رسول الله من حديث فيه طول: "وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ" وجه الدلالة: أن النبي يقول ما معناه: إِذَا بَلَغَ جَيْشُكُمْ هَذَا الْعَدَدَ فَلا تأتِيهِ الْهَزِيمَةُ مِنْ جِهَةِ عَدَدِهِ، وإنَّمَا تَأتِيهِ مِنْ وُقُوعِ الْخُلْفِ بَيْنكم، وإذَا كَانَتْ الْهَزِيْمَةُ لا تَأتِي مِنَ الْعَدَدِ فَلا يَجُوزُ الفِرَارُ.
وتمسّك ابن حزم بظاهر قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ﴾ فإنها تدل بظاهرها على وجوب الثبات مهما بلغ عدد العدوّ.
يرد على الحديث الذي استدل به المالكية أنه غير صحيح، فقد قال العلّامة القرطبي: رواه بشر وأبو سلمة العاملي، وهو الحكم بن عبد الله بن خطاف، وهو متروك. وعلى فرض صحته فالمراد منه أن الغالب على هذا العدد النصر والظفر، ولا تعرض فيه لحرمة الفرار أو عدمها، وبهذا يرد على المالكية والحنفية فيما نسبه الجصّاص إليهم. ويرد على ابن حزم أن الأمر بعدم الفرار في الآية مخصص بالّا يزيد العدد على ضعف عدد المسلمين.
(١) السحر أصله التمويه والتخاييل، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني، فيخيَّل للمسحور أنها بخلاف ما هي به؛ كالذي يرى السراب من بعيد فيُخيّل إليه أنه ماء، وكراكب السفينة السائرة=

<<  <  ج: ص:  >  >>