للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ.

الانكفَاف عما كنا نستحلّه إلى تمام البحث عن حال الرّاوي، قال: وليس ذلك حكمًا بالحظر [المترتب] (١) على الرواية، وإنما هو توقّف في الأمر، والتوقّف في الإباحة يتضمّن الإعجاز وهو في معنى الحَظْر، فهو إذن حظر مأخوذ من قاعدة في الشَّريعة ممهّدة، وهي التوقُّف عند بدوّ ظواهر الأمور إلى استبانتها، فإذا ثبتت العَدَالة، فالحكم بالرواية إذ ذاك، انتهى.

فأما قوله بالوقف في رواية المستور، فليس في الحقيقة إلّا نفس مذهبنا؛ فإنا لا نضرب صَفْحًا إذا روى لنا المستور خبرًا، ونتركه بالوراء نبحث عنه، والوقفة قائمة إلى استتمام البَحْثِ.

وأمّا قوله: "لو كُنَّا على اعتقاد في حلّ شيء" إلخ.

فقال ابن الأنباري في "شرح البرهان": هذا مجمع عليه.

وأنا أقول: هذا في غاية من الإشكال، والوجه عندي. أنا إن كنا باقين على البراءة الأصلية وروى المستور التحريم، فلما قال الإمام: اتجاه ظاهر - وإن كان للمتعنّت أن يُنَازع فيه - وإن كان الحلّ مستندًا إلى دليل شرعي، فلا وجه للإحجام، كيف واليقين لا يرفع بالشّك؟

ويشهد لهذه التَّفرقة أنَّ أصحّ الوجهين أن من قال لامرأته: إن كنت حاملًا فأنت طالق؛ [أنه] (٢) لا يحرم عليه وطؤها إلى أن يظهر الحمل؛ لأن الأصل عدمه، ولو قال: إن كنت حائلًا فالأصح: التحريم؛ لأن الأصل الحيال.

وما ادّعاه ابن الأنباري من الإجماع لا أعرفه.

وقد يستشهد لما نحن فيه بأن الصحيح فيمن ادّعى عينًا على رجل، وشهد له بها اثنان، وطلب الحَيْلُولة بينها، وبين المدّعى عليه إلى أن يزكى الشَّاهدان أنه يجاب، وإن ادعى دينًا حبس على أحد الوجهين، وصححه البغوي.

ولو شهد اثنان لعبد بأن سيده أعتقه، وطلب العبد الحَيْلُولةَ قبل التزكية، أجابه القاضي، وكذا إن لم يطلب، ورآها الحاكم على الأصح.


(١) في ح: المرتب.
(٢) في ح: لأنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>