يَمْضِي عَلَى جِهَتِهِ فَإِنْ اسْتَدَارَ عَنْهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ أَدَارَهُ غَيْرُهُ قَبْلَ أَنْ تَكْمُلَ صَلَاتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صَلَاتِهِ وَيَسْتَقْبِلَ لَهَا اجْتِهَادًا بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ صَلَّاهَا وَأَعَادَهَا مَتَى وَجَدَ مُجْتَهِدًا بَصِيرًا غَيْرَهُ
وَإِنْ اجْتَهَدَ مُجْتَهِدٌ، أَوْ جَمَاعَةٌ فَرَأَوْا الْقِبْلَةَ فِي مَوْضِعٍ فَصَلَّوْا إلَيْهَا جَمَاعَةً وَأَبْصَرَ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ أَنْ قَدْ أَخْطَأَ وَأَنَّ الْقِبْلَةَ مُنْحَرِفَةٌ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي تَوَجَّهَ إلَيْهِ انْحِرَافًا قَرِيبًا انْحَرَفَ إلَيْهِ فَصَلَّى لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ إمَامَةِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ وَصَارَ إمَامًا لِنَفْسِهِ فَصَلَاتُهُ مُجْزِيَةٌ عَنْهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ مُذْ خَرَجَ إلَى إمَامَةِ نَفْسِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ اسْتَأْنَفَ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ وَيَسْتَقْبِلَ حَيْثُ رَأَى الْقِبْلَةَ (قَالَ): وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَآخِرِهَا مَا لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ رَأَى الْقِبْلَةَ مُنْحَرِفَةً عَنْ حَيْثُ تَوَجَّهَ تَوَجَّهَ إلَى حَيْثُ رَأَى وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ وَرَاءَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ بِتَوَجُّهِهِ إلَّا أَنْ يَرَى مِثْلَ رَأْيِهِ فَمَنْ حَدَثَ لَهُ مِنْهُمْ مِثْلُ رَأْيِهِ تَوَجَّهَ بِتَوَجُّهِهِ وَمَنْ لَمْ يَرَ مِثْلَ رَأْيِهِ خَرَجَ مِنْ إمَامَتِهِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنَ هَذَا وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْإِمَامَ أَخْرَجَ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ إمَامَتِهِمْ فَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ صَلَاتَهُمْ بِحَالٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ صَلَاةَ نَفْسِهِ، أَوْ انْصَرَفَ لِرُعَافٍ، أَوْ غَيْرِهِ بَنَوْا؛ لِأَنَّهُ مُخْرِجُ نَفْسِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ لَا هُمْ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُخْرِجُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ إمَامَتِهِ لَا هُوَ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْأَوَّلِينَ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَبْنُوا عَلَى صَلَاتِهِمْ مَعَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فَعَلُوا وَعَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ فَثُبُوتُهُ عَلَى مَا فَعَلَ قَدْ يَكُونُ إخْرَاجًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ وَبِهِ أَقُولُ
وَإِذَا اجْتَهَدَ الرَّجُلُ فِي الْقِبْلَةِ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ شَكَّ وَلَمْ يَرَ الْقِبْلَةَ فِي غَيْرِ اجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قِبْلَةٍ مَا لَمْ يَرَ غَيْرَهَا وَالْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَإِذَا اجْتَهَدَ بِالْأَعْمَى فَوَجَّهَهُ لِلْقِبْلَةِ فَرَأَى الْقِبْلَةَ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي وُجِّهَ لَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ حَيْثُ رَأَى؛ لِأَنَّهُ لَا رَأْيَ لَهُ وَإِنْ قَالَ لَهُ غَيْرُهُ قَدْ أَخْطَأَ بِكَ الَّذِي اجْتَهَدَ لَكَ فَصَدَّقَهُ انْحَرَفَ إلَى حَيْثُ يَقُولُ لَهُ غَيْرُهُ وَمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ مُجْزِئٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ بِهِ مَنْ لَهُ قَبُولُ اجْتِهَادِهِ (قَالَ): وَإِذَا حُبِسَ الرَّجُلُ فِي ظُلْمَةٍ وَحَيْثُ لَا دَلَالَةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَا دَلِيلَ يُصَدِّقُهُ فَهُوَ كَالْأَعْمَى يَتَأَخَّى وَيُصَلِّي عَلَى أَكْثَرِ مَا عِنْدَهُ وَيُعِيدُ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِلَا دَلَالَةٍ وَقَدْ قِيلَ: يَسَعُ الْبَصِيرَ إذَا عَمِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ اجْتِهَادُ غَيْرِهِ فَإِنْ أَخْطَأَ بِهِ الْمُجْتَهِدُ لَهُ الْقِبْلَةَ فَدَلَّهُ عَلَى جِهَةِ مُشَرَّقَةٍ وَالْقِبْلَةُ مُغَرَّبَةٌ أَعَادَ كُلَّ مَا صَلَّى وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ أَخْطَأَ بِهِ قَرِيبًا مُنْحَرِفًا أَحْبَبْت أَنْ يُعِيدَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ فِي حَالِهِ تِلْكَ لَهُ إذَا صَدَّقَهُ كَاجْتِهَادِهِ كَانَ لِنَفْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى دَلَالَةٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهُوَ يُفَارِقُ الْأَعْمَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَلَوْ أَنَّ بَصِيرًا اجْتَهَدَ لِأَعْمَى، ثُمَّ قَالَ لَهُ غَيْرُهُ قَدْ أَخْطَأَ بِكَ فَشَرِّقَ، وَالْقِبْلَةُ مُغَرَّبَةٌ فَلَمْ يَدْرِ لَعَلَّهُ صَدَقَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْأَوَّلِ كَخَبَرِ الْآخَرِ إذَا كَانَا عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَأَيُّهُمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَذِبِ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ
(قَالَ): وَالْبَصِيرُ إنَّمَا يُصَلِّي بِيَقِينٍ، أَوْ اجْتِهَادِ نَفْسِهِ وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ شَاكٌّ لَا يَرَى الْقِبْلَةَ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ أَعَادَ وَلَا تُجْزِئُهُ الصَّلَاةُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَهُوَ يَرَى الْقِبْلَةَ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَوْضِعَانِ فَغَلَبَ عَلَيْهِ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَصَلَّى حَيْثُ يَرَاهَا فَإِنْ صَلَّى وَلَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَعَادَ وَكَذَلِكَ لَوْ افْتَتَحَ عَلَى هَذَا الشَّكِّ، ثُمَّ رَآهَا حَيْثُ افْتَتَحَ فَمَضَى عَلَى صَلَاتِهِ أَعَادَ لَا تُجْزِئُهُ حَتَّى يَفْتَتِحَهَا حَيْثُ يَرَاهَا.
بَابُ الْحَالَيْنِ اللَّذَيْنِ يَجُوزُ فِيهِمَا اسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْحَالَانِ اللَّذَانِ يَجُوزُ فِيهِمَا اسْتِقْبَالُ غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute