للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مِنْ رِجَالِكُمْ} يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي شَيْءٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَجَازَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ قِيلَ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَدَّهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ لَا تَجُوزُ وَزَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} قَالَ وَمَعْنَى الْكِتَابِ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْ تَكُونَ دَلَالَةً قِيلَ وَكَيْفَ تَكُونُ الدَّلَالَةُ بِقَوْلِ صِبْيَانٍ مُنْفَرِدِينَ إذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُقْبَلُوا؟ إنَّمَا تَكُونُ الدَّلَالَةُ بِقَوْلِ الْبَالِغِينَ الَّذِينَ يُقْبَلُونَ بِكُلِّ حَالٍ، فَأَشْبَهَ مَا وَصَفْت أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِيمَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ هُوَ مَنْ وَصَفْت مِمَّنْ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى صِفَتِهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَمْلُوكٍ فِي شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ وَلَا شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ.

بَابُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ - إِلا الَّذِينَ تَابُوا} (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُضْرَبَ الْقَاذِفُ ثَمَانِينَ وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَسَمَّاهُ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَقُلْنَا يَلْزَمُ أَنْ يُضْرَبَ ثَمَانِينَ وَأَنْ لَا تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا فِي حَالِ مَنْ سُمِّيَ بِالْفِسْقِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ مَنْ سُمِّيَ بِالْفِسْقِ قَالَ وَتَوْبَتُهُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ تَكُونُ التَّوْبَةُ الْإِكْذَابَ؟ قِيلَ لَهُ: إنَّمَا كَانَ فِي حَدِّ الْمُذْنِبِينَ بِأَنْ نَطَقَ بِالْقَذْفِ، وَتَرْكُ الذَّنْبِ هُوَ أَنْ يَقُولَ الْقَذْفُ بَاطِلٌ وَتَكُونَ التَّوْبَةُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الذَّنْبُ فِي الرِّدَّةِ بِالْقَوْلِ بِهَا وَالتَّوْبَةُ الرُّجُوعُ عَنْهَا بِالْقَوْلِ فِيهَا بِالْإِيمَانِ الَّذِي تَرَكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى هَذَا؟ فَفِيمَا وَصَفْت كِفَايَةٌ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَنْ عُمَرَ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ يَوْمَ قَذَفَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَحُدَّ قِيلَ لَهُ مَكَانَهُ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يَفْعَلَ لِأَنَّ الذَّنْبَ الَّذِي رُدَّتْ بِهِ شَهَادَتُهُ هُوَ الْقَذْفُ فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَقَدْ تَابَ وَإِنْ قَذَفَ وَهُوَ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ رَدَّهَا كَانَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا سُوءُ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْذِفَ، وَالْآخَرُ الْقَذْفُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَكُونُ خَارِجًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ فَإِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَثَبَتَ عَلَيْهِ عِلَّةُ رَدِّ الشَّهَادَةِ بِسُوءِ الْحَالِ حَتَّى تُخْتَبَرَ حَالُهُ فَإِذَا ظَهَرَ مِنْهُ الْحُسْنُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَهَكَذَا لَوْ حُدَّ مَمْلُوكٌ حَسَنُ الْحَالِ، ثُمَّ عَتَقَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ فِي الْقَذْفِ، وَهَكَذَا لَوْ حُدَّ ذِمِّيٌّ حَسَنُ الْحَالِ، فَأَسْلَمَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ إلَّا بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ فِي الْقَذْفِ فَقَالَ لِي قَائِلٌ: أَفَتَذْكُرُ فِي هَذَا حَدِيثًا فَقُلْت إنَّ الْآيَةَ لَمُكْتَفًى بِهَا مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّ فِيهِ لَحَدِيثًا (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَذْفِ لَا تَجُوزُ، فَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي، ثُمَّ سَمَّى الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك، أَوْ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قَالَ سُفْيَانُ شَكَكْت بَعْدَمَا سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يُسَمِّي الرَّجُلَ فَسَأَلْت فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَقِيلَ لِسُفْيَانَ شَكَكْت فِي خَبَرِهِ فَقَالَ لَا هُوَ سَعِيدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَالَ الشَّافِعِيُّ):؟ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ حَدَّثَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>