للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُكَاتَبَتَهُ وَرَدَّهُ مَوْلَاهُ فِي الرِّقِّ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ جَائِزٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ، وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا لَهُ حِينَ عَجَزَ وَكَسَرَ مُكَاتَبَتَهُ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ قَاضٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى الْقَاضِيَ فَقَالَ قَدْ عَجَزْت فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَرُدُّهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَا أَرُدُّهُ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ نَجْمَانِ قَدْ حَلَّا عَلَيْهِ فِي يَوْمٍ خَاصَمَ إلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدُ لَا أَرُدُّهُ حَتَّى أَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ نَجْمُهُ قَرِيبًا، وَكَانَ يُرْجَى لَمْ يُعَجِّلْ عَلَيْهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ قَدْ عَجَزْت عِنْدَ مَحَلِّ نَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يُكَاتِبْ يَبِيعُهُ سَيِّدُهُ وَيَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قَاضٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ رَدَّ مُكَاتَبًا لَهُ عَجَزَ فِي الرِّقِّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ أَنَّهُ شَهِدَ شُرَيْحًا رَدَّ مُكَاتَبًا عَجَزَ فِي الرِّقِّ

وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ، أَوْ وَهَبَ هِبَةً، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا، أَوْ كَفَلَ بِكَفَالَةٍ، أَوْ كَفَلَ عَنْهُ رَجُلٌ لِمَوْلَاهُ بِاَلَّذِي عَلَيْهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ نِكَاحُهُ وَكَفَالَتُهُ بَاطِلٌ وَمَا تَكَفَّلَ بِهِ رَجُلٌ عَنْهُ لِمَوْلَاهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَأَمَّا عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ فَهُوَ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَتَقَ أَمْضَى ذَلِكَ وَإِنْ رَجَعَ مَمْلُوكًا فَذَلِكَ كُلُّهُ مَرْدُودٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَيْفَ يَجُوزُ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَكَيْفَ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عَنْهُ لِمَوْلَاهُ أَرَأَيْت رَجُلًا كَفَلَ لِرَجُلٍ عَنْ عَبْدِهِ كَفَالَةً أَلَيْسَتْ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ مُكَاتَبَةٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَبَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْفُلَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ بِمُكَاتَبَةِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ وَإِنَّمَا كَفَلَ لَهُ بِمَالِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَقَالَ، أُؤَدِّيهِ الْيَوْمَ، أَوْ غَدًا فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ يُؤَجِّلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ، أَوْ وَهَبَ، أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ كَفَلَ عَنْ أَحَدٍ بِكَفَالَةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ فِي هَذَا إتْلَافًا لِمَالِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّطِ الْمَالِ أَمَّا التَّزَوُّجُ فَأَبْطَلْنَاهُ بِالْعُبُودِيَّةِ الَّتِي فِيهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَبِّ الْمُكَاتَبِ بِالْكِتَابَةِ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بَاطِلَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا تَكَفَّلَ لَهُ بِمَالِهِ عَنْ مَالِهِ

بَابٌ فِي الْأَيْمَانِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَبَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَصَارَ لِغَيْرِهِ وَبِهَذَا يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ يَقَعُ الْعِتْقُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَيَرُدُّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ يَوْمَ حَلَفَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ، ثُمَّ كَلَّمَ فُلَانًا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ لَا يُعْتَقُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ الْحَالِفِ أَرَأَيْت لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَيَرْجِعُ إلَى الْحَالِفِ، وَقَدْ صَارَ مَوْلًى لِلْمُشْتَرِي؟ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَاهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نَسَبَهُ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ وَجَعَلَهُ ابْنَهُ، ثُمَّ كَلَّمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبْطَلَ دَعْوَى هَذَا وَنَسَبَهُ وَيَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى الْأَوَّلِ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ فِي هَذَا يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى الْأَوَّلِ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ وَيَبْطُلُ النَّسَبُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بَيْعًا لَيْسَ بِبَيْعِ خِيَارٍ بِشَرْطٍ فَهُوَ حُرٌّ حِينَ عَقَدَ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا زَعَمْتُ أَنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَتَفَرُّقُهُمَا تَفَرُّقُهُمَا عَنْ مَقَامِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ فَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>