للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِسْلَامَ الْأَوَّلَ وَيُمْنَعُ مِنْهَا بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَالْعِصْمَةُ مُنْقَطِعَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا عِوَضَ وَكُلُّ مَا وَصَفْتُ فِيهِ الْعِوَضُ فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ يُعْطِيَ الْعِوَضَ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ لَا يُعْطَى الزَّوْجُ الْمُشْرِكُ الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ مُسْلِمَةً الْعِوَضَ، وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ بِرَدِّ النِّسَاءِ كَانَ الشَّرْطُ مُنْتَقَضًا وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إنْ «شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ دَخَلَ فِيهِ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ» وَكَانَ النِّسَاءُ مِنْهُمْ كَانَ شَرْطًا صَحِيحًا فَنَسَخَهُ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا نَسَخَ مِنْهُ الْعِوَضَ وَلَمَّا قَضَى اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ رَدُّهُنَّ، وَلَا عَلَيْهِ عِوَضٌ فِيهِنَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ مَنْ شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءَ بَعْدَ نَسْخِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَسُولُهُ لَهَا بَاطِلٌ، وَلَا يُعْطَى بِالشَّرْطِ الْبَاطِلِ شَيْءٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَنْ قَالَ: هَذَا لَمْ يَرُدَّ مَمْلُوكًا بِحَالٍ، وَلَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ عِوَضًا وَأَشْبَهَهُمَا أَنْ لَا يُعْطُوا عِوَضًا وَالْآخَرُ كَمَا وَصَفْتُ يُعْطُونَ فِيهِ الْعِوَضَ، وَمَنْ قَالَ: هَذَا لَا نَرُدُّ إلَى أَزْوَاجِ الْمُشْرِكِينَ عِوَضًا لَمْ يَأْخُذْ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا فَاتَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ عِوَضًا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ إلَّا الْخَلِيفَةُ، أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا فَمَنْ عَقَدَهُ غَيْرُ خَلِيفَةٍ فَعَقْدُهُ مَرْدُودٌ، وَإِنْ جَاءَتْ فِيهِ امْرَأَةٌ، أَوْ رَجُلٌ لَمْ يُرَدَّ لِلْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يُعْطُوا عِوَضًا وَنَبَذَ إلَيْهِمْ، وَإِذَا عَقَدَ الْخَلِيفَةُ فَمَاتَ، أَوْ عُزِلَ وَاسْتُخْلِفَ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ لَهُمْ بِمَا عَقَدَ لَهُمْ الْخَلِيفَةُ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ عَلَى وَالِي الْأَمْرِ بَعْدَهُ إنْفَاذُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَمَنْ قَدِمَ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ لَمْ يَرُدَّهُ، وَلَمْ يُعْطِ عِوَضًا وَكَانُوا كَأَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ قَدِمَ عَلَيْنَا نِسَاؤُهُمْ وَرِجَالُهُمْ مُسْلِمِينَ فَنَقْبَلُهُمْ، وَلَا نُعْطِي أَحَدًا عِوَضًا مِنْ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِ مَنْ أَعْطَى الْعِوَضَ.

فَإِنْ هَادَنَّاهُمْ عَلَى التَّرْكِ سَنَةً فَقَدِمَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَكَانَ الَّذِينَ هَادَنُونَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ مِمَّنْ دَانَ دِينَهُمْ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَأَسْلَمُوا فِي دَارِهِمْ أَوْ أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ ثُمَّ جَاءُونَا يَطْلُبُونَ رِجَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ قِيلَ: قَدْ انْقَضَتْ الْهُدْنَةُ وَخَيْرٌ لَكُمْ دُخُولُكُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَهَؤُلَاءِ رِجَالُكُمْ فَإِنْ أَحَبُّوا رَجَعُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَقَامُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا انْصَرَفُوا، وَلَوْ نَقَضُوا الْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ لَمْ يُعْطُوا عِوَضًا مِنْ امْرَأَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مِنْهُمْ مُسْلِمٌ وَهَكَذَا لَوْ هَادَنَّا قَوْمًا هَكَذَا وَأَتَانَا رِجَالُهُمْ فَخَلَّيْنَا بَيْنَ أَوْلِيَائِهِمْ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ نَقَضُوا الْعَهْدَ كَانَ لَنَا إخْرَاجُهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَعَلَيْنَا طَلَبُهُمْ حَتَّى نُخْرِجَهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَسَقَطَ الشَّرُّ.

وَهَكَذَا لَوْ هَادَنَّا مَنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فِي كُلِّ مَا وَصَفْته إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ الْجِزْيَةَ، وَإِذَا هَادَنَّا قَوْمًا رَدَدْنَا إلَيْهِمْ مَا فَاتَ إلَيْنَا مِنْ بَهَائِمِ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَهَائِمِ حُرْمَةٌ يُمْنَعْنَ بِهَا مِنْ أَنْ نُصَيِّرَهَا إلَى مُشْرِكٍ، وَكَذَلِكَ الْمَتَاعُ، وَإِنْ صَارَتْ فِي يَدِ بَعْضِنَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَيِّرَهَا إلَيْهِمْ، وَلَوْ اسْتَمْتَعَ بِهَا وَاسْتَهْلَكَهَا كَانَ كَالْغَصْبِ يَلْزَمُهُ لَهُمْ مَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ مِنْ كِرَاءٍ إنْ كَانَ لَهَا وَقِيمَةُ مَا هَلَكَ مِنْهَا فِي أَكْثَرَ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ.

إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابَ صُلْحٍ عَلَى الْجِزْيَةِ كَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ عَبْدُ اللَّهِ فُلَانٌ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ كَذَا وَكَذَا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ مِنْ بَنِي فُلَانٍ السَّاكِنِ بَلَدَ كَذَا وَأَهْلُ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا إنَّك سَأَلْتَنِي أَنْ أُؤَمِّنَك وَأَهْلَ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا وَأَعْقِدَ لَك وَلَهُمْ مَا يُعْقَدُ لِأَهْلِ الذَّمَّةِ عَلَى مَا أَعْطَيْتنِي وَشَرَطْتُ لَك وَلَهُمْ وَعَلَيْك وَعَلَيْهِمْ فَأَجَبْتُك إلَى أَنْ عَقَدْت لَك وَلَهُمْ عَلَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الْأَمَانُ مَا اسْتَقَمْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>