بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْمُكَاتَبِ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَلَا أَدْرِي أَثَبَتَ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا نَقُولُ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِيهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَصْلُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ أَوْ أَنْ يُبْرِئَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَاجِدًا فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِنَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ مَالٌ فِيهِ وَفَاءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ وَفَضْلٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ كِتَابَتُهُ قَدْ انْتَقَضَتْ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ وَقَدْ مَاتَ رَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ مَنْ مَاتَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ حَالُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ مَاتَ غَيْرَ حُرٍّ فَلَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ حُرًّا أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ عَبْدًا مَاتَ فَقَالَ سَيِّدُهُ هُوَ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْتَى وَإِنْ قَذَفَهُ رَجُلٌ لَمْ يُحَدَّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُكَاتَبِ وَلَدٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ وَأُمُّ وَلَدِهِ لَمْ يُكَاتِبْ عَلَيْهَا فَهُمْ رَقِيقٌ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَلَدٌ كِبَارٌ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ فَهُمْ كَرَقِيقٍ كَاتَبُوا مَعًا فَيُرْفَعُ عَمَّنْ كَاتَبَ مَعَهُ حِصَّةُ الْمَيِّتِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ هُوَ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَلَا يَرِثُ الْمُكَاتَبَ الْمَيِّتَ قَبْلَ يُؤَدِّي وَلَدٌ أَحْرَارٌ وَلَا وَلَدٌ وُلِدُوا لَهُ فِي كِتَابَتِهِ، وَلَا كَاتَبُوا مَعَهُ بِحَالٍّ، فَإِنْ كَانَ فِي كِتَابَتِهِ وَلَدٌ بَالِغُونَ كَاتَبُوا مَعَهُ وأجنبيون فَسَوَاءٌ يَأْخُذُ سَيِّدُهُ مَالَهُ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا وَيُرْفَعُ عَنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ وَلَدٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ مِنْ أَمَةِ مَنْ لَمْ يُكَاتِبْ عَلَيْهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَهُمْ وَأُمُّ وَلَدِهِ رَقِيقٌ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهِ لَوْ عَتَقَ وَإِذَا بَطَلَتْ كِتَابَتُهُ بِالْمَوْتِ لَمْ يَعْتِقُوا بِعِتْقِ مَنْ لَا يَعْتِقْ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، ثُمَّ مَاتَ أُرِقُّوا.
فَأَمَّا مَنْ كَاتَبَ عَلَيْهِ بِرِضَاءٍ فَعَلَى الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ حِصَّةً مِنْ الْكِتَابَةِ.
وَلَوْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ مَمْلُوكَةٌ لِلسَّيِّدِ فَكَاتَبَ عَلَيْهَا بِرِضَاهَا فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فِي الْكِتَابَةِ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ يُؤَدِّي رُفِعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَبَقِيَتْ حِصَّةُ امْرَأَتِهِ وَوَقَفَ وَلَدُهُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْكِتَابَةِ مَعَ أُمِّهِمْ، فَإِنْ عَتَقَتْ عَتَقُوا وَإِنْ عَجَزَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ رَقُّوا، وَلَوْ قَالُوا نُؤَدِّي عَلَيْهَا فَنَعْتِقُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْكِتَابَةِ إنَّمَا كَانُوا يَعْتِقُونَ بِعِتْقِ أُمِّهِمْ فَلَمَّا بَطَلَ عِتْقُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْتِقُوا
فِي إفْلَاسِ الْمُكَاتَبِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لَهُ يَعْنِي لِعَطَاءٍ أَفْلَسَ مُكَاتَبِي وَتَرَكَ مَالًا وَتَرَكَ دَيْنًا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ لَمْ يَدَعْ وَفَاءً أَبْتَدِئُ بِحَقِّ النَّاسِ قَبْلَ كِتَابَتِي؟ قَالَ نَعَمْ وَقَالَهَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ أَمَا أَحَاصَهُمْ بِنَجْمٍ مِنْ نُجُومِهِ حَلَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ عَمَلَهُ لِي سَنَةً؟ قَالَ: لَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بُدِئَ بِدُيُونِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَلَا دَيْنَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ مَالُ السَّيِّدِ، وَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ وَقَوْلُهُمْ أَفْلَسَ عَجَزَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَيُؤَدِّي الدَّيْنَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ مَالَهُ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ وَسَيِّدُهُ حِينَئِذٍ فِي مَالِهِ كَغَرِيمٍ غَيْرِهِ فَإِذَا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ بَطَلَ كُلُّ مَا لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ جِنَايَةٍ جَنَاهَا عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِسَيِّدٍ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ وَإِذَا زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا مَا دَامَ مُكَاتَبًا فَمِثْلُهُ لَا يُخَالِفُهُ أَنْ يَمُوتَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute