بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ قَبِلْت رُجُوعَهُ قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَهُ السِّيَاطُ أَوْ الْحِجَارَةُ أَوْ الْحَدِيدُ وَبَعْدُ جَاءَ بِسَبَبٍ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عُيِّرَ أَوْ لَمْ يُعَيَّرْ قِيَاسًا عَلَى أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي مَاعِزٍ: فَهَلَّا تَرَكْتُمُوهُ» وَهَكَذَا كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ فَأَمَّا مَا كَانَ لِلْآدَمِيَّيْنِ فِيهِ حَقٌّ فَيَلْزَمُهُ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِ وَأُغَرِّمُهُ السَّرِقَةَ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْآدَمِيَّيْنِ.
وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَسَرَقَ عِنْدَنَا سَرِقَةً فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ: يَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْأَمَانَ لِتَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: تُقْطَعُ يَدُهُ وَبِهِ يَأْخُذُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَسَرَقَ ضُمِّنَ السَّرِقَةَ وَلَا يُقْطَعُ وَيُقَالُ لَهُ: نَنْبِذُ إلَيْك عَهْدَك وَنُبَلِّغُك مَأْمَنَك لِأَنَّ هَذِهِ دَارٌ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا إلَّا مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ (قَالَ الرَّبِيعُ): لَا يُقْطَعُ إذَا كَانَ جَاهِلًا فَإِنْ كَانَ عَالِمًا قُطِعَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا أَمَانًا عَلَى أَنْ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ مَا دَامَ مُقِيمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
بَابُ الْقَضَاءِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَثْبَتَ الْقَاضِي فِي دِيوَانِهِ الْإِقْرَارَ وَشَهَادَةَ الشُّهُودِ ثُمَّ رُفِعَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجِيزَهُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُجِيزُ ذَلِكَ وَبِهِ يَأْخُذُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ كَانَ يَذْكُرُهُ وَلَمْ يُثْبِتْهُ عِنْدَهُ أَجَازَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَا يُجِيزُهُ حَتَّى يُثْبِتَهُ عِنْدَهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا وَجَدَ الْقَاضِي فِي دِيوَانِهِ خَطًّا لَا يَشُكُّ أَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ كَاتِبِهِ بِإِقْرَارِ رَجُلٍ لِآخَرَ أَوْ بِثَبْتِ حَقٍّ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ حَتَّى يَذْكُرَ مِنْهُ أَوْ يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ أَنْ يَشْهَدَ.
وَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ بِكِتَابِ قَاضٍ إلَى قَاضٍ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ كِتَابَهُ وَلَا خَاتَمَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الَّذِي أَتَاهُ الْكِتَابَ أَنْ يَقْبَلَهُ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَا عَدْلٍ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي وَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ كُلِّهِ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَرَفَ الْقَاضِي الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى مَا وَصَفْت لِأَنَّهُ حَقٌّ وَهُوَ مِثْلُ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ: لَا يَقْبَلُ الْكِتَابَ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ وَأَعْطَاهُمْ نُسْخَةً مَعَهُمْ يُحْضِرُونَهَا هَذَا الْقَاضِيَ مَعَ كِتَابِ الْقَاضِي وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: إذَا شَهِدُوا عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَبِهِ يَأْخُذُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ كِتَابَ الْقَاضِي وَخَاتَمَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَهُوَ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا إلَى فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَيَشْهَدَانِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ إمَّا بِحِفْظٍ لَهُ وَإِمَّا بِنُسْخَةٍ مَعَهُمَا تُوَافِقُ مَا فِيهِ وَلَا أَرَى أَنْ يَقْبَلَهُ مَخْتُومًا وَهُمَا يَقُولَانِ: لَا نَدْرِي مَا فِيهِ لِأَنَّ الْخَاتَمَ قَدْ يُصْنَعُ عَلَى الْخَاتَمِ وَيُبَدَّلُ الْكِتَابُ.
وَإِذَا قَالَ الْخَصْمُ لِلْقَاضِي: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ: لَا أُجْبِرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَدْعُو الْمُدَّعِي بِشُهُودِهِ بِهَذَا يَأْخُذُ (قَالَ): وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَدَعُهُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ إذَا سَكَتَ يَقُولُ لَهُ: احْلِفْ مِرَارًا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ قَضَى عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا تَنَازَعَ الرَّجُلَانِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَعْوَى فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ قِيلَ لِلْمُدَّعِي: إنْ أَرَدْت أَنْ نُحَلِّفَهُ عَرَضْنَا عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ نَكَلَ قُلْنَا لَك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute