للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّهْنِ فَقَدْ تَحَوَّلَ مِلْكُ الرَّهْنِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ لَمْ يَرْضَوْا أَمَانَتَهُ وَالرَّهْنُ بِحَالِهِ لَا يَنْفَسِخُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إنَّمَا مَلَكُوا مِنْ الرَّهْنِ مَا كَانَ لَهُ الرَّاهِنُ مَالِكًا فَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ كَانَ كَذَلِكَ الْوَارِثُ، وَالْوَكَالَةُ بِبَيْعِهِ غَيْرُ الرَّهْنِ الْوَكَالَةُ لَوْ بَطَلَتْ لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ.

وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ دَارًا، ثُمَّ أَجَّرَهَا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ حِينَ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ هِيَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهَا، وَالْغَلَّةُ لِلْمُرْتَهِنِ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا وَدَفَعَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ، أَوْ عَدْلٍ وَأَذِنَ بِكِرَائِهَا فَأُكْرِيَتْ كَانَ الْكِرَاءُ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الدَّارِ وَلَا تَخْرُجُ بِهَذَا مِنْ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا مَنَعَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْكِرَاءَ رَهْنًا، أَوْ قِصَاصًا مِنْ الدَّيْنِ أَنَّ الْكِرَاءَ سَكَنٌ وَالسَّكَنُ لَيْسَ هُوَ الْمَرْهُونُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ دَارًا فَسَكَنَهَا، أَوْ اسْتَغَلَّهَا، ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ كَانَ السَّكَنُ، وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ أَخَذَ مِنْ أَصْلِ الدَّارِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ مَا أَخَذَ مِنْ الدَّارِ مِنْ أَصْلِ الْبَيْعِ، وَالْكِرَاءُ، وَالْغَلَّةُ لَيْسَ أَصْلَ الْبَيْعِ فَلَمَّا كَانَ الرَّاهِنُ إنَّمَا رَهَنَ رَقَبَةَ الدَّارِ، وَكَانَتْ رَقَبَةُ الدَّارِ لِلرَّاهِنِ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهَا حَقًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ مِنْ الْكِرَاءِ وَالسَّكَنِ إلَّا لِلرَّاهِنِ الْمَالِكِ الرَّقَبَةَ كَمَا كَانَ الْكِرَاءُ وَالسَّكَنُ لِلْمُشْتَرِي الْمَالِكِ الرَّقَبَةَ فِي حِينِهِ ذَلِكَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ ثُلُثَ دَارٍ، أَوْ رُبُعَهَا وَقَبَضَ الرَّهْنَ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ. مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا وَقَبْضًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَقَبْضًا فِي الرَّهْنِ، وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ دَارًا، أَوْ دَابَّةً فَقَبَضَهَا الْمُرْتَهِنُ فَأَذِنَ لَهُ رَبُّ الدَّابَّةِ، أَوْ الدَّارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ، أَوْ الدَّابَّةِ فَانْتَفَعَ بِهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا إخْرَاجًا لَهُ مِنْ الرَّهْنِ وَمَا لِهَذَا وَإِخْرَاجِهِ مِنْ الرَّهْنِ وَإِنَّمَا هَذَا مَنْفَعَةٌ لِلرَّاهِنِ لَيْسَتْ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَمْلِكُهُ الرَّاهِنُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ، وَإِذَا كَانَ شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي الرَّهْنِ فَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْأَصْلَ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَا لَمْ يَرْهَنْ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ، أَلَا تَرَى أَنَّ كِرَاءَ الدَّارِ وَخَرَاجَ الْعَبْدِ لِلرَّاهِنِ.

بَابُ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ فِي الدَّيْنِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَكَفَلَ لَهُ بِهِ عَنْهُ رَجُلٌ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِنْ كَانَتْ حَوَالَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الَّذِي أَحَالَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ قَبِلَ مِنْهُ الْكَفِيلَ فَقَدْ أَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قَدْ تَوَى قِبَلَ الْكَفِيلِ فَيَرْجِعَ بِهِ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ فِي قَوْلِهِمَا جَمِيعًا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الْمَالُ وَكَفَلَ بِهِ آخَرُ فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَهُمَا وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا يَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَالًا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِشَرْطٍ كَانَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ عَلَى مَا شَرَطَ لَهُ دُونَ مَا لَمْ يَشْرِطْ لَهُ، وَلَوْ كَانَتْ حَوَالَةً فَالْحَوَالَةُ مَعْقُولٌ فِيهَا أَنَّهَا تَحَوُّلُ حَقٍّ عَلَى رَجُلٍ إلَى غَيْرِهِ فَإِذَا تَحَوَّلَتْ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ مَا تَحَوَّلَ عَنْهُ إلَّا بِتَجْدِيدِ عَوْدَتِهِ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ دُونَ الْمُحِيلِ بِكُلِّ حَالٍ.

وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ آخَرَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ هُمَا كَفِيلَانِ جَمِيعًا وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ قَدْ بَرِئَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ حِينَ أَخَذَ الْكَفِيلَ الْآخَرَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا آخَرَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُبَرِّئْ الْأَوَّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>