كِتَابَةُ الْمُدَبَّرِ وَتَدْبِيرُ الْمُكَاتَبِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ، ثُمَّ كَاتَبَهُ فَلَيْسَ الْكِتَابَةُ بِإِبْطَالٍ لِلتَّدْبِيرِ إنَّمَا إبْطَالُهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَيُسْأَلُ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت إثْبَاتَهُ عَلَى التَّدْبِيرِ غَيْرَ أَنِّي أَرَدْت أَنْ أَتَعَجَّلَ الْعِتْقَ، فَهُوَ مُدَبَّرٌ مُكَاتَبٌ، وَهَكَذَا إنْ كَاتَبَ أَمَةً فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَهُوَ مُكَاتَبٌ مَعَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً مُكَاتَبَةً فَوَلَدُهَا مُكَاتَبٌ مُدَبَّرٌ، (قَالَ): وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ، ثُمَّ دَبَّرَهُ قَبْلَ الْعَجْزِ، ثُمَّ عَجَزَ كَانَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ شَاءَ الثَّبَاتَ عَلَى الْكِتَابَةِ ثَبَّتْنَاهُ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ، وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَبَطَلَ عَنْهُ مِنْ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ، فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ، فَهُوَ مُدَبَّرٌ وَهُوَ مُكَاتَبٌ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُسْأَلُ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ، فَهُوَ رُجُوعٌ وَهُوَ مُكَاتَبٌ لَا تَدْبِيرَ لَهُ، وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ قَبْلَ الْعَجْزِ، ثُمَّ عَجَزَ، كَانَ مُدَبَّرًا، فَإِنْ شَاءَ الثَّبَاتَ عَلَى الْكِتَابَةِ ثَبَتَ عَلَيْهَا وَلَهُ الْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ، وَإِنْ دَبَّرَ عَبْدَهُ، ثُمَّ كَاتَبَهُ فَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَاتَ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَكُونُ إبْطَالًا لِلتَّدْبِيرِ إنَّمَا يَكُونُ إبْطَالُهُ بِأَنْ يَقُولَ مَالِكُهُ: أَرَدْت إبْطَالَهُ وَيُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ.
جَامِعُ التَّدْبِيرِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: يَوْمَ تَدْخُلُ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَذَهَبَ عَقْلُ السَّيِّدِ، وَدَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ كَانَ مُدَبَّرًا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ صَحِيحُ الْعَقْلِ، ثُمَّ ذَهَبَ عَقْلُهُ فَدَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ وَالسَّيِّدُ ذَاهِبُ الْعَقْلِ كَانَ حُرًّا، وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ قَالَ هَذَا وَهُوَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ، ثُمَّ دَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ وَالسَّيِّدُ صَحِيحُ الْعَقْلِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْمَقَالَةَ وَهُوَ ذَاهِبُ الْعَقْلِ لَوْ أَعْتَقَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَلَوْ أَوْصَى لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِلْ عِتْقًا وَلَا وَصِيَّةً وَلَا غَيْرَهُمَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ يَوْمَ تَدْخُلُ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَلَمْ يَدْخُلْ الْعَبْدُ الدَّارَ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ، ثُمَّ دَخَلَهَا لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ وَصَارَ لِغَيْرِهِ مَمْلُوكًا، وَلَوْ قَالَ: مَتَى دَخَلَتْ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ السَّيِّدُ، ثُمَّ دَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ وَهُوَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ.
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ: مَتَى مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ غَيْرُ حُرٍّ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ حُرًّا، وَلَوْ قَالَ: مَتَى مِتّ أَنَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَهُ عَبِيدٌ لَمْ يُدْرَ أَيُّهُمْ عَنَى بِهَذَا، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَقْرَعنَا بَيْنَهُمْ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ.
وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: لِعَبْدٍ لَهُ مَتَى مِتّ وَأَنْتَ بِمَكَّةَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمَتَى مِتّ وَقَدْ قَرَأْت الْقُرْآنَ كُلَّهُ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَمَاتَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ بِمَكَّةَ وَقَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَانَ حُرًّا، وَإِنْ مَاتَ وَلَيْسَ الْعَبْدُ بِمَكَّةَ، أَوْ مَاتَ وَلَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ كُلَّهُ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ قَالَ لَهُ: مَتَى مَا مِتّ وَقَدْ قَرَأْتَ قُرْآنًا فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِذَا قَرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَقَدْ قَرَأَ قُرْآنًا فَهُوَ حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: مَتَى مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ ابْنِي فُلَانٌ فَإِنْ شَاءَ ابْنُهُ فُلَانٌ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَلَيْسَ بِحُرٍّ، وَإِنْ مَاتَ ابْنُهُ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ، أَوْ خَرِسَ، أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ لَمْ يَكُنْ حُرًّا إلَّا أَنْ يَبْرَأَ مِنْ خَرَسِهِ، أَوْ يَرْجِعَ عَقْلُهُ فَيَشَاءُ فَيَكُونُ حُرًّا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَجِمَاعُ هَذَا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى شَرْطٍ، أَوْ اثْنَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِأَنَّ تَكْمُلَ الشُّرُوطُ الَّتِي أَعْتَقَهُ عَلَيْهَا، أَوْ الصِّفَةُ، أَوْ الصِّفَاتُ وَلَا أُعْتِقُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا شَرَطَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِهِ أَبَدًا، وَمِثْلُ هَذَا الرَّجُلِ يَقُولُ لِجَارِيَتِهِ، أَوْ عَبْدِهِ فِي وَصِيَّتِهِ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ، وَيُوصِي لِنَاسٍ بِوَصَايَا، ثُمَّ يُفِيقُ مِنْ مَرَضِهِ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يَنْقُضْ وَصِيَّتَهُ فَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَلَا الْأَمَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute