للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي أَوْلَى حَالَةٍ أَنْ يَبِيعَهُ فِيهَا، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ التَّوْفِيقَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ: فَإِنِّي إنَّمَا بِعْته بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ، وَلَا تَكُونُ الْوَصَايَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، قِيلَ: فَذَلِكَ الْحُجَّةُ عَلَيْك أَنْ تَجْعَلَهُ كَالْوَصَايَا فِي أَنْ تُرِقَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَتَمْنَعَ مِنْ أَنْ تَجْعَلَهُ مِنْ الْوَصَايَا فَتَجْعَلَ لِصَاحِبِهِ الرُّجُوعَ فِيهِ كَمَا يَرْجِعُ فِي الْوَصَايَا، فَإِنْ قُلْت: إنَّ فِيهِ حُرِّيَّةً وَالْحُرِّيَّةُ لَا تُرَدُّ؟ قُلْت: فَقَدْ رَدَدْتهَا حِينَ وَقَعَتْ وَإِنْ اعْتَلَلْت بِإِفْلَاسِ سَيِّدِهِ فَقَدْ يُفْلِسُ وَلَهُ أُمُّ وَلَدٍ فَلَا يَرُدُّهَا وَيَنْفُذُ عِتْقُهَا، وَقَدْ يُفْلِسُ وَلَهُ مُكَاتَبٌ قَدْ كَاتَبَهُ عَلَى نُجُومٍ مُتَبَاعِدَةٍ فَلَا تُنْقَضُ كِتَابَتُهُ وَلَا يُرِقُّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِمَا يُرِقُّهُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَقَدْ قُلْت فِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تُسْلِمُ وَهِيَ حُرَّةٌ وَلَمْ يَمُتْ سَيِّدُهَا فَيَأْتِي الْوَقْتُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ عِتْقُهَا حِينَ صَارَ فَرْجُهَا مِنْ سَيِّدِهَا مَمْنُوعًا وَأَنْتَ لَا تَرْعَى الِاسْتِسْعَاءَ بِالدَّيْنِ، قَالُوا: مُطْلَقًا لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ، قَالُوا: هُوَ حُرٌّ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي أُمِّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ، فَقَوْلُهُمْ عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ أَشَدُّ اسْتِقَامَةً مِنْ قَوْلِك عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِك، أَفَرَأَيْت الرَّجُلَ إنْ كَانَ إذَا أَفْلَسَ عَبْدُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ يُبَاعُ مَالُهُ وَيَحِلُّ مَا لَمْ يَكُنْ حَلَّ مِنْ دُيُونِهِ، فَكَيْفَ لَمْ يُبَعْ مُدَبَّرُهُ كَمَا بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَحَلَّ دُيُونَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ يُفِيدُ مَالًا، قِيلَ: فَلَمْ أَرَك انْتَظَرْت بِدَيْنٍ عَلَيْهِ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَجَعَلْتَهُ حَالًّا بِمَوْتِهِ.

فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا أَحْكُمُ عَلَيْهِ حُكْمَ سَاعَتِهِ وَذَلِكَ حُكْمُ الْمَوْتِ فَكَذَلِكَ بَيْعُ مُدَبَّرِهِ بِإِفْلَاسِهِ وَقَدْ يُمْكِنُ فِي الْمَوْتِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ عُرِفَ فَلَسْت أَرَاهُ تَرَكَ إرْقَاقَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِمَا يُمْكِنُ وَلَا بَيْعَهُ فِي الْحَيَاةِ فِي إفْلَاسِ صَاحِبِهِ بِحُكْمِ سَاعَتِهِ وَلَا سَوَّى بَيْنَ حُكْمِهِ فِي مَوْتٍ وَلَا حَيَاةٍ وَقَدْ أَرَقَّهُ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ إفْلَاسٍ وَلَا رُجُوعٍ مِنْ صَاحِبِهِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يُرِقَّهُ مَنْ أَرَقَّ الْمُدَبَّرَ وَلَا أَحَدٌ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ أَرَقَّهُ فِي الْحَيَاةِ إنَّمَا أَرَقَّهُ إذَا رَجَعَ فِيهِ صَاحِبُهُ، وَقَالَ: إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَدَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا تَقَاوَمَاهُ، فَإِنْ صَارَ لِلَّذِي دَبَّرَهُ كَانَ مُدَبَّرًا كُلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ انْتَقَضَ التَّدْبِيرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الَّذِي لَهُ فِيهِ الرِّقُّ أَنْ يُعْطِيَهُ الَّذِي دَبَّرَهُ بِقِيمَتِهِ فَيَلْزَمُهُ وَيَكُونُ مُدَبَّرًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَبَّرًا كُلُّهُ وَيَضْمَنُ الَّذِي دَبَّرَهُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُ عِتْقٌ، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَهُ لَوْ أَعْتَقَهُ، وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ أَنْ يُنْتَقَضَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ لِسَيِّدِهِ الْمُدَبِّرَ نَقْضَ التَّدْبِيرِ فَكَيْفَ جَعَلَ لَهُ نَقْضَ التَّدْبِيرِ إذَا لَمْ يَشْتَرِ الْمُدَبَّرَ إنْ كَانَ إذَا نَقَضَ التَّدْبِيرَ فَقَدْ جَعَلَهُ لَهُ فَأَثْبَتَ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرِدْ نَقْضُهُ فَقَدْ جَعَلَ لَهُ نَقْضَهُ وَهُوَ لَا يُرِيدُهُ، وَمَا مَعْنَى يَتَقَاوَمَانِهِ وَهُمَا لَا يُرِيدَانِ التَّقَاوُمَ وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا؟ مَا أَعْرِفُ لِ " يَتَقَاوَمَانِهِ " وَجْهًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَالْقَوْلُ فِيهِ فِي قَوْلِ مَنْ لَا يَبِيعُهُ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ مُدَبَّرٌ كُلُّهُ وَعَلَى الْمُدَبِّرِ السَّيِّدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ.

وَهَكَذَا قَالَ مَنْ قَالَ لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ فَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا إذَا جَعَلْنَا لِسَيِّدِهِ نَقْضَ تَدْبِيرِهِ وَبَيْعَهُ فَتَدْبِيرُهُ وَصِيَّةٌ، وَهُوَ بِحَالَةِ مُدَبَّرِ النِّصْفِ مَرْقُوقِ النِّصْفِ لَلشَّرِيك؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ.

الْمُكَاتَبُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ: مَا الْخَيْرُ؟ الْمَالُ، أَوْ الصَّلَاحُ، أَوْ كُلُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: مَا نَرَاهُ إلَّا الْمَالَ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ وَكَانَ رَجُلَ صِدْقٍ؟ قَالَ: مَا أَحْسَبُ خَيْرًا إلَّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>