الْحُكْمُ بَيْنَ أَهْلِ الْجِزْيَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَكَانَ الصَّغَارُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ وَأَذِنَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ قَدْ عَلِمَ شِرْكَهُمْ بِهِ وَاسْتِحْلَالَهُمْ لِمَحَارِمِهِ فَلَا يَكْشِفُوا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا اسْتَحَلُّوا بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنِ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يَطْلُبْهُ لَمْ يَكْشِفُوا عَنْهُ فَإِذَا أَبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَا فِيهِ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَأَتَى طَالِبُ الْحَقِّ إلَى الْإِمَامِ يَطْلُبُ حَقَّهُ فَحَقٌّ لَازِمٌ لِلْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ عَلَى مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ الْمَطْلُوبُ رَاضِيًا بِحُكْمِهِ وَكَذَلِكَ إنْ أَظْهَرَ السَّخْطَةَ لِحُكْمِهِ لِمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَهُمْ صَاغِرُونَ} وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ مُقَامٍ لِمَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الْحُكْمِ فِي حَالٍ وَيُقَالُ نَزَلَتْ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فَكَانَ ظَاهِرُ مَا عَرَفْنَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ تَسْتَعْدِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا حَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَلْزَمْته الطَّلَاقَ وَفَيْئِيَّةَ الْإِيلَاءِ فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا أَخَذْته بِأَنْ يُطَلِّقَ وَإِنْ قَالَتْ تَظَاهَرَ مِنِّي أَمَرْته أَنْ لَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَلَا يُجْزِئُهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ فِي الْقَتْلِ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ يُكَفِّرُ الْكَافِرُ قِيلَ كَمَا يُؤَدِّي الْوَاجِبَ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْجَرُ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ دِيَةٍ أَوْ أَرْشِ جُرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَمَا يُحَدُّ وَإِنْ كَانَ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْحَدِّ لَشِرْكِهِ فَإِنْ قَالَ فَيُكَفِّرُ عَنْهُ خَطِيئَةَ الْحَدِّ؟ قِيلَ فَإِنْ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ خَطِيئَةَ الْحَدِّ جَازَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ خَطِيئَةَ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَإِنْ قِيلَ يُؤَدِّي وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْوَاجِبُ وَإِنْ لَمْ يُؤْجَرْ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ؟ قِيلَ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْأَيْمَانُ وَالرَّقَبَةُ فِي الْقَتْلِ فَإِنْ جَاءَنَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ لَمْ نُزَوِّجْهُ إلَّا كَمَا يُزَوَّجُ الْمُسْلِمُ بِرِضًا مِنْ الزَّوْجَةِ وَمَهْرٍ وَشُهُودِ عُدُولٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ قَدْ نَكَحَهَا تُرِيدُ فَسَادَ نِكَاحِهَا بِأَنَّهُ نَكَحَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ مُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَمَا يُرَدُّ بِهِ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ مِمَّا لَا حَقَّ فِيهِ لِزَوْجٍ غَيْرِهِ لَمْ يُرَدَّ نِكَاحُهُ إذَا كَانَ اسْمُهُ عِنْدَهُمْ نِكَاحًا لِأَنَّ النِّكَاحَ مَاضٍ قَبْلَ حُكْمِنَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا؟ قُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} وَقَالَ {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ لَا يَأْخُذُوا مَا لَمْ يَقْبِضُوا مِنْهُ وَرَجَعُوا مِنْهُ إلَى رُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَ الْمُشْرِكِ بِمَا كَانَ قَبْلَ حُكْمِهِ وَإِسْلَامِهِمْ وَكَانَ مُقْتَضِيًا وَرَدَّ مَا جَاوَزَ أَرْبَعًا مِنْ النِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ بِوَاقٍ فَتَجَاوَزَ عَمَّا مَضَى كُلِّهِ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمِ رَسُولِهِ وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذِمَّةٌ وَأَهْلُ هُدْنَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَنْكِحُونَ نِكَاحَهُمْ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِأَنْ يَنْكِحُوا غَيْرَهُ وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَفْسَدَ لَهُمْ نِكَاحًا وَلَا مَنَعَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَسْلَمَ امْرَأَتَهُ وَامْرَأَتُهُ بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الشِّرْكِ بَلْ أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ إذَا كَانَ مَاضِيًا وَهُمْ مُشْرِكُونَ وَإِنْ كَانُوا مُعَاهَدِينَ وَمُهَادَنِينَ وَهَكَذَا إنْ جَاءَنَا رَجُلَانِ مِنْهُمْ قَدْ تَبَايَعَا خَمْرًا وَلَمْ يتقابضاها أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ وَإِنْ تَقَابَضَاهَا لَمْ نَرُدَّهُ لِأَنَّهُ قَدْ مَضَى، وَإِنْ تَبَايَعَاهَا فَقَبَضَ الْمُشْتَرِي بَعْضًا وَلَمْ يَقْبِضْ بَعْضًا لَمْ يَرُدَّ الْمَقْبُوضَ وَرَدَّ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَهَكَذَا بُيُوعُ الرِّبَا كُلُّهَا وَلَوْ جَاءَتْنَا نَصْرَانِيَّةٌ قَدْ نَكَحَهَا مُسْلِمٌ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُهُودٍ نَصَارَى أَفْسَدْنَا النِّكَاحَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَبَدًا غَيْرَ تَزْوِيجِ الْإِسْلَامِ، فَنُنَفِّذُ لَهُ وَلَوْ جَاءَنَا نَصْرَانِيٌّ بَاعَ مُسْلِمًا خَمْرًا أَوْ نَصْرَانِيٌّ ابْتَاعَ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْرًا تَقَابَضَاهَا أَوْ لَمْ يتقابضاها أَبْطَلْنَاهَا بِكُلِّ حَالٍ وَرَدَدْنَا الْمَالَ إلَى الْمُشْتَرِي وَأَبْطَلْنَا ثَمَنَ الْخَمْرِ عَنْهُ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الْمُشْتَرِي لَهَا لَمْ يَمْلِكْ خَمْرًا. وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَهَا لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute