فَهُوَ لِلسَّيِّدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ وَلَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ فِي يَدَيْ الْعَبْدِ وَلَمْ يَحُدُّوا حَدًّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي يَدَيْ الْعَبْدِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ حَتَّى يَحُدُّوا وَقْتًا يُعْلَمُ فِيهِ أَنَّ الْمَالَ كَانَ بِيَدَيْ الْعَبْدِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالُوا: كَانَ فِي يَدَيْهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِغُرَّةِ شَهْرِ كَذَا، وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ حَتَّى تَحُدَّ الْبَيِّنَةُ حَدًّا يُعْلِمُ أَنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدَيْهِ قَبْلُ تَصِحُّ الْكِتَابَةِ.
وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ فِي يَدَيْهِ فِي رَجَبٍ وَشَهِدُوا لَهُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فِي شَعْبَانَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ الْعَبْدُ: قَدْ كَاتَبْتنِي بِلَا بَيِّنَةٍ قَبْلَ رَجَبٍ، أَوْ فِي رَجَبٍ، أَوْ فِي وَقْتٍ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي شَهِدَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا أَنَّ سَيِّدَ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا كَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالُهُ مَالُ سَيِّدِهِ لَا مَالٌ لَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ عَلِمَ الْمَالَ وَأَحْضَرَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ كِتَابَةٌ وَبَيْعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ حِصَّةُ الْكِتَابَةِ مِنْ حِصَّةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةً مِنْ الْكِتَابَةِ غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ، وَأَنَّهُ يَعْجِزُ فَيَكُونُ رَقِيقًا وَيَفُوتُ الْمَالُ فَإِنْ أَدَّى فَعَتَقَ تَرَاجَعَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فَتَكُونُ يَوْمَ كُوتِبَ وَرَجَعَ سَيِّدُهُ بِمَالِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، أَوْ مِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ إنْ فَاتَ فِي يَدَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَهُ، ثُمَّ يَبِيعَهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ مَا فِي يَدَيْهِ، أَوْ يَهَبَهُ، أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَأَمَّا أَنْ يَعْقِدَ الْكِتَابَةَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ بِحَالٍ (قَالَ الرَّبِيعُ): وَفِيهِ حُجَّةٌ أُخْرَى أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ، وَالْمَالُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ لِسَيِّدِهِ لَيْسَ لِلْعَبْدِ
مَا اكْتَسَبَ الْمُكَاتَبُ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): مَا أَفَادَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَهُوَ لَهُ مَالٌ عَلَى مَعْنًى، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَخْذُهُ، وَلَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ مَالَهُ وَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ؟ قِيلَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِالْكِتَابَةِ وَكَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ مَالًا يُؤَدِّيهِ الْعَبْدُ وَيَعْتِقُ بِهِ فَلَوْ سَلَّطَ لِلسَّيِّدِ عَلَى أَخْذِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبَةِ مَعْنًى إذَا كَانَ السَّيِّدُ يَأْخُذُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ بِهِ مُؤَدِّيًا كَانَ الْعَبْدُ لِلْأَدَاءِ مُطِيقًا وَمِنْهُ مَمْنُوعًا بِالسَّيِّدِ، أَوْ كَانَ لَهُ غَيْرَ مُطِيقٍ فَبَطَلَ مَعْنَى الْكِتَابَةِ بِالْمَعْنَيَيْنِ مَعًا، وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ فِي مَالِهِ مَا كَانَ عَلَى النَّظَرِ وَغَيْرِ الِاسْتِهْلَاكِ لِمَالِهِ وَلَا يَجُوزُ مَا كَانَ اسْتِهْلَاكًا لِمَالِهِ فَلَوْ وَهَبَ دِرْهَمًا مِنْ مَالِهِ كَانَ مَرْدُودًا، وَلَوْ اشْتَرَى بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَانَ مَرْدُودًا، أَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَانَ مَرْدُودًا وَكَذَلِكَ لَوْ جُنِيَتْ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ فَعَفَا الْجِنَايَةَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إهْلَاكٌ مِنْهُ لِمَالِهِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالنَّظَرِ، وَإِقْرَارُهُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ نَكَحَ فَأَصَابَ الْمَرْأَةَ فُسِخَ النِّكَاحُ، وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا عَتَقَ وَلَا يَكُونُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بِهِ قَبْلَ يَعْتِقَ؛ لِأَنَّهَا نَكَحَتْهُ وَهِيَ طَائِعَةٌ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَمَاتَتْ فِي يَدَيْهِ كَانَ لِقِيمَتِهَا ضَامِنًا؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ وَبَيْعَهُ جَائِزٌ فَمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ لَزِمَهُ فِي مَالِهِ.
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَأَصَابَهَا فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ مِنْهُ مَهْرَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا بِسَبَبِ بَيْعٍ، وَأَصْلُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَهُ جَائِزٌ، وَأَصْلُ النِّكَاحِ لَهُ غَيْرُ جَائِزٍ فَلِذَلِكَ لَمْ أُلْزِمْهُ فِي مَالِهِ - مَا كَانَ مُكَاتَبًا - صَدَاقَ الْمَرْأَةِ وألزمهوه بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِذَا تَحَمَّلَ عَنْهُ الرَّجُلِ بِحَمَالَةٍ، وَضَمِنَ عَنْ آخَرَ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ هَذَا تَطَوُّعٌ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ نَفْسَهُ فِي مَالِهِ فَهُوَ مِثْلُ الْهِبَةِ يَهَبُهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ زَمِنٌ مُحْتَاجٌ، أَوْ أَبٌ زَمِنٌ مُحْتَاجٌ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ، وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي نِكَاحِهَا قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَبَعْدَهَا.
وَلَوْ نَكَحَ فِي الْكِتَابَةِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهُ حَتَّى عَتَقَ فَأَصَابَهَا أَوْ أَصَابَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، ثُمَّ عَتَقَ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِأَنَّهُ حُرٌّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.
وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَمَاتَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ مَيِّتًا وَنَفَقَتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute