الطُّهْرَ لَمْ تَجِدْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَخْرُجْ مِمَّا اسْتَدْخَلَتْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْبَيَاضَ (قَالَ): فَلَوْ رَأَتْ مَا تَقُولُ مِنْ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا (قُلْتُ) إذًا تَكُونُ طَاهِرًا حِينَ رَأَتْ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ إلَى أَنْ تَرَى الدَّمَ وَلَوْ سَاعَةً قَالَ فَمَنْ قَالَ هَذَا قُلْتُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ إنَّهُ لَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قُلْت نَعَمْ ثَابِتًا عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْمَعْقُولِ قَالَ وَأَيْنَ؟.
قُلْتُ أَرَأَيْت إذْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ وَأَذِنَ بِإِتْيَانِهِنَّ إذَا تَطَهَّرْنَ عَرَفْت، أَوْ نَحْنُ الْمَحِيضَ إلَّا بِالدَّمِ وَالطُّهْرَ إلَّا بِارْتِفَاعِهِ وَرُؤْيَةِ الْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ. قَالَ: لَا قُلْت أَرَأَيْت امْرَأَةً كَانَ حَيْضُهَا عَشْرَةً كُلَّ شَهْرٍ، ثُمَّ انْتَقَلَ فَصَارَ كُلَّ شَهْرَيْنِ، أَوْ كُلَّ سَنَةٍ، أَوْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ صَارَ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ حَيْضُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ أَدَعُ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِ حَيْضِي وَذَلِكَ عَشْرٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهَا قُلْتُ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَائِضٌ إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَغَيْرُ حَائِضٍ إذَا لَمْ تَرَهُ. قَالَ: نَعَمْ قُلْت: وَكَذَلِكَ الْمَعْقُولُ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَلِمَ لَا تَقُولُ بِقَوْلِنَا تَكُونُ قَدْ وَافَقْت الْقُرْآنَ وَالْمَعْقُولَ؟ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ: بَقِيَتْ خَصْلَةٌ هِيَ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْكُمْ قُلْتُ وَمَا هِيَ قَالَ أَرَأَيْت إذَا حَاضَتْ يَوْمًا وَطَهُرَتْ يَوْمًا عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَتَجْعَلُ هَذَا حَيْضًا وَاحِدًا، أَوْ حَيْضًا إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَطُهْرًا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قُلْت بَلْ حَيْضًا إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَطُهْرًا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: مَا أَدْرِي أَنْتَ فِي قَوْلِكَ الْأَوَّلِ أَضْعَفُ حُجَّةً أَمْ فِي هَذَا الْقَوْلِ قَالَ وَمَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الضَّعْفِ؟ قُلْت: احْتِجَاجُكَ بِأَنْ جَعَلْتهَا مُصَلِّيَةً يَوْمًا وَتَارِكَةً لِلصَّلَاةِ يَوْمًا بِالْعِدَّةِ وَبَيْنَ هَذَا فَرْقٌ.
قَالَ فَمَا تَقُولُ؟ قُلْت: لَا وَلَا لِلصَّلَاةِ مِنْ الْعِدَّةِ سَبِيلٌ قَالَ فَكَيْفَ ذَلِكَ؟.
قُلْت: أَرَأَيْت الْمُؤَيَّسَةَ مِنْ الْحَيْضِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ وَالْحَامِلَ أَلَيْسَ يَعْتَدِدْنَ وَلَا يَدَعْنَ الصَّلَاةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ أَمْ لَا تَخْلُو عِدَدُهُنَّ حَتَّى يَدَعْنَ الصَّلَاةَ فِي بَعْضِهَا أَيَّامًا كَمَا تَدَعُهَا الْحَائِضُ قَالَ بَلْ يَعْتَدِدْنَ وَلَا يَدَعْنَ الصَّلَاةَ قُلْتُ: فَالْمَرْأَةُ تَطْلُقُ فَيُغْمَى عَلَيْهَا أَوْ تُجَنُّ، أَوْ يَذْهَبُ عَقْلُهَا أَلَيْسَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَلَمْ تُصَلِّ صَلَاةً وَاحِدَةً قَالَ بَلَى قُلْت فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي وَلَمْ تُصَلِّ أَيَّامًا وَتَدَعْ الصَّلَاةَ أَيَّامًا؟ قَالَ مِنْ ذَهَابِ عَقْلِهَا وَأَنَّ الْعِدَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ قُلْتُ أَفَرَأَيْت الْمَرْأَةَ الَّتِي تَحِيضُ حَيْضَ النِّسَاءِ وَتَطْهُرُ طُهْرَهُنَّ إنْ اعْتَدَّتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ، ثُمَّ ارْتَابَتْ فِي نَفْسِهَا قَالَ فَلَا تُنْكَحُ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ قُلْت: فَتَكُونُ مُعْتَدَّةً لَا بِحَيْضٍ وَلَا بِشُهُورٍ وَلَكِنْ بِاسْتِبْرَاءٍ قَالَ نَعَمْ إذَا آنَسَتْ شَيْئًا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ حَمْلًا. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الَّتِي تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَإِنْ ارْتَابَتْ كَفَّتْ عَنْ النِّكَاحِ قَالَ نَعَمْ قُلْت؛ لِأَنَّ الْبَرِيئَةَ إذَا كَانَتْ مُخَالِفَةً غَيْرَ الْبَرِيئَةِ قَالَ نَعَمْ وَالْمَرْأَةُ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ مُرْتَابَةً وَغَيْرَ بَرِيئَةٍ مِنْ الْحَمْلِ مِمَّنْ سَمَّيْت وَقَدْ عَقَلْنَا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ فِي الْعِدَّةِ مَعْنَيَيْنِ: بَرَاءَةٌ وَزِيَادَةُ تَعَبُّدٍ بِأَنَّهُ جَعَلَ عِدَّةَ الطَّلَاقِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، أَوْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَجَعَلَ عِدَّةَ الْحَامِلِ وَضْعَ الْحَمْلِ وَذَلِكَ غَايَةُ الْبَرَاءَةِ وَفِي ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ بَرَاءَةٌ وَتَعَبُّدٌ؛ لِأَنَّ حَيْضَتَهُنَّ مُسْتَقِيمَةٌ تُبْرِئُ فَعَقَلْنَا أَنْ لَا عِدَّةَ إلَّا وَفِيهَا بَرَاءَةٌ، أَوْ بَرَاءَةٌ وَزِيَادَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَمْ تَكُنْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، أَوْ وَضْعِ حَمْلٍ وَالْحَائِضُ يَوْمًا وَطَاهِرٌ يَوْمًا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى بَرَاءَةٍ وَقَدْ لَزِمَكَ بِأَنْ أَبْطَلْت عِدَّةَ الْحَيْضِ وَالشُّهُورِ وَبَايَنْت بِهَا إلَى الْبَرَاءَةِ إذَا ارْتَابَتْ كَمَا زَعَمْت أَنَّهُ يَلْزَمُنَا فِي الَّتِي تَحِيضُ يَوْمًا وَتَدَعُ يَوْمًا.
بَابُ دَمِ الْحَيْضِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ قَالَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute