عَلَيْهِ كَانَ بَيْعُ مَا لَمْ يُرَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ مِنْ قِثَّاءٍ أَوْ خِرْبِزٍ أُدْخِلَ فِي مَعْنَى الْغَرَرِ، وَأَوْلَى أَنْ لَا يُبَاعَ مِمَّا قَدْ رُئِيَ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهِ وَكَيْفَ يَحْرُمُ أَنْ يُبَاعَ قِثَّاءٌ أَوْ خِرْبِزٌ حِينَ بَدَا قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَدْ رَوَى رَجُلٌ أَنْ يُبْتَاعَ وَلَمْ يُخْلَقْ قَطُّ؟ وَكَيْفَ أُشْكِلَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْعٌ أَبَدًا أَوْلَى بِالْغَرَرِ مِنْ هَذَا الْبَيْعِ؟ الطَّائِرُ فِي السَّمَاءِ، وَالْعَبْدُ الْآبِقُ، وَالْجَمَلُ الشَّارِدُ، أَقْرَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ فِيهِ أَضْعَفُ مِنْ هَذَا؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ قَدْ خُلِقَ وَقَدْ يُوجَدُ وَهَذَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ. وَقَدْ يُخْلَقُ فَيَكُونُ غَايَةً فِي الْكَثْرَةِ، وَغَايَةً فِي الْقِلَّةِ وَفِيمَا بَيْنَ الْغَايَتَيْنِ مَنَازِلُ. أَوْ رَأَيْت إنْ أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ بِأَيِّ شَيْءٍ يُقَاسُ؟ أَبِأَوَّلِ حِمْلِهِ فَقَدْ يَكُونُ ثَانِيهِ أَكْثَرَ وَثَالِثُهُ فَقَدْ يَخْتَلِفُ وَيَتَبَايَنُ فَهَذَا عِنْدَنَا مُحَرَّمٌ بِمَعْنَى السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا وَالْمَعْقُولِ، وَاَلَّذِي يُمْكِنُ مِنْ عُيُوبِهِ أَكْثَرُ مِمَّا حَكَيْنَا وَفِيمَا حَكَيْنَا كِفَايَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَالَ): فَكُلُّ مَا كِيلَ مِنْ هَذَا أَوْ وُزِنَ أَوْ بِيعَ عَدَدًا كَمَا وَصَفْت فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لَا يَحِلُّ التَّمْرُ مِنْهُ بِرُطَبٍ وَلَا جُزَافٌ مِنْهُ بِكَيْلٍ وَلَا رُطَبٌ بِرُطَبٍ عِنْدِي بِحَالٍ وَلَا يَحِلُّ إلَّا يَابِسًا بِيَابِسٍ، كَيْلًا بِكَيْلٍ أَوْ مَا يُوزَنُ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ عَدَدٌ لِعَدَدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَصْلًا إذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْهُ رَطْبًا يَشْتَرِي بِصِنْفِهِ رَطْبَ فِرْسِكٍ بِفِرْسِكٍ، وَتِبْنٍ بِتِبْنٍ، وَصِنْفٍ بِصِنْفِهِ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَبِعْهُ كَيْفَ شِئْت يَدًا بِيَدٍ، جُزَافًا بِكَيْلٍ، وَرَطْبًا بِيَابِسٍ، وَقَلِيلَهُ بِكَثِيرِهِ، لَا يَخْتَلِفُ هُوَ، وَمَا وَصَفْت مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَيَخْتَلِفُ هُوَ وَثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فِي الْعَرَايَا، وَلَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ سِوَى النَّخْلِ، وَالْعِنَبِ الْعَرِيَّةُ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ بَيْعُ الْعَرَايَا مِنْ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَمَرَ تِينَةٍ فِي رَأْسِهَا بِمَكِيلَةٍ مِنْ التِّينِ مَوْضُوعًا بِالْأَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَيْرِ تِينَةٍ فِي رَأْسِهَا بِثَمَرٍ مِنْهَا يَابِسٍ مَوْضُوعٍ بِالْأَرْضِ وَلَا فِي شَجَرِهِ أَبَدًا جُزَافًا وَلَا كَيْلًا وَلَا بِمَعْنًى، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لَمْ تُجِزْهُ؟ قُلْت؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ سَنَّ الْخَرْصَ فِي التَّمْرِ، وَالْعِنَبِ وَفِيهِمَا أَنَّهُمَا مُجْتَمَعَا التَّمْرِ لَا حَائِلَ دُونَهُ يَمْنَعُ الْإِحَاطَةَ وَكَانَ يَكُونُ فِي الْمِكْيَالِ مُسْتَجْمَعًا كَاسْتِجْمَاعِهِ فِي نَبْتِهِ كَانَ لَهُ مَعَانٍ لَا يَجْمَعُ أَحَدَ مَعَانِيهِ شَيْءٌ سِوَاهُ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ يَجْتَمِعُ فِي الْمِكْيَالِ فَمِنْ فَوْقِ كَثِيرٍ مِنْهُ حَائِلٌ مِنْ الْوَرِقِ وَلَا يُحِيطُ الْبَصَرُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْكُمَّثْرَى وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الْأُتْرُجُّ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُهُ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي مِكْيَالٍ وَكَذَلِكَ الْخِرْبِزِ، وَالْقِثَّاءُ، وَهُوَ مُخْتَلِفُ الْخَلْقِ لَا يُشْبِهُهُمَا وَبِذَلِكَ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي الْمِكْيَالِ وَلَا يُحِيطُ بِهِ الْبَصَرُ إحَاطَتَهُ بِالْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ شَيْءٌ يَكُونُ مَكِيلًا يُخْرَصُ بِمَا فِي رُءُوسِ شَجَرِهِ لِغِلَظِهِ وَتَجَافِي خِلْقَتِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا بِشَيْءٍ مِنْهُ كَمَا يُبَاعُ غَيْرُهُ مِنْ النَّخْلِ، وَالْعِنَبِ إذَا خَالَفَهُ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ مِنْهُ شَيْئًا فيستعريه ابْتَاعَهُ بِغَيْرِ صِنْفِهِ ثُمَّ اسْتَعْرَاهُ كَيْفَ شَاءَ.
بَابُ مَا يَنْبُتُ مِنْ الزَّرْعِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ بَعْضُهُ مَغِيبٌ فِيهَا وَبَعْضُهُ ظَاهِرٌ فَأَرَادَ صَاحِبُهُ بَيْعَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا الظَّاهِرُ مِنْهُ يُجَزُّ مَكَانَهُ، فَأَمَّا الْمَغِيبُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْجَزَرِ، وَالْفُجْلِ، وَالْبَصَلِ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ وَرَقُهُ الظَّاهِرُ مُقْطَعًا مَكَانَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي دَاخِلِهِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ كُلِّهِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فِيهِ إذَا كَانَ بَيْعُ نَبَاتٍ، وَبَيْعُ النَّبَاتِ بَيْعُ الْإِيجَابِ وَذَلِكَ لَوْ أَجَزْت بَيْعَهُ لَمْ أُجِزْهُ إلَّا عَلَى أَحَدِ مَعَانٍ إمَّا عَلَى مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ فَتِلْكَ إذَا رَآهَا الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِهَا أَوْ تَرْكِهَا، فَلَوْ أَجَزْت الْبَيْعَ عَلَى هَذَا فَقَلَعَ جَزَرَةً أَوْ فُجْلَةً، أَوْ بَصَلَةً،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute