الْعِلْمِ حُجَّةً يُعْذَرُ بِهَا فَلَمْ أَجِدْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ مَا أَخَذْتُمْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَّقْتُمُوهُمْ، وَاَلَّذِينَ رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ مَا تَرَكْتُمْ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَقُولُوا: هُمْ مُتَّهَمُونَ فَإِنْ قُلْتُمْ: قَدْ يَغْلَطُونَ فَقَدْ يَجُوزُ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَقُولَ لَا نَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْغَلَطِ، وَإِنْ قُلْتُمْ يَغْلَطُونَ فِي بَعْضٍ وَيَحْفَظُونَ فِي بَعْضٍ جَازَ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى غَلَطِ الْمُحَدِّثِ أَنْ يُخَالِفَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ فَإِنْ قُلْتُمْ فِيهِ لَا يُخَالِفُ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ صَاحِبَهُ غَلِطَ مَرَّةً وَحَفِظَ جَازَ عَلَيْك أَنْ يُقَالَ غَلِطَ حَيْثُ زَعَمْت أَنَّهُ حَفِظَ، وَحَفِظَ حِينَ زَعَمْت أَنَّهُ غَلِطَ وَجَازَ عَلَيْك وَعَلَى غَيْرِك أَنْ يُقَالَ: كُلُّهُ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ فَنَدَعُهُ وَنَطْلُبُ الْعِلْمَ مِنْ حَدِيثِ غَيْرِهِمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَهَذَا لَا يُوجَدُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الصِّدْقِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقْبَلَ فَلَا يُتْرَكُ شَيْءٌ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ نَفْسِهِ وَبِالنَّاسِ الْحَاجَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ مِنْ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَاذْكُرْ مِمَّا رُوِيَ شَيْئًا فَقَالَ: الشَّافِعِيُّ: لَا أَرَبَ لِي فِي ذِكْرِهِ، وَإِنْ سَأَلْتَنِي عَنْ قَوْلِي لِأُوَضِّحَ الْحُجَّةَ فِيمَا جبيتك أَنْتَ نَفْسُك فِي قَوْلِك وَقَدْ أَعْطَيْتُك جُمْلَةً تُغْنِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا تَدَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا أَبَدًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ خِلَافُهُ فَتَفْعَلَ فِيهِ بِمَا قُلْت لَك فِي الْأَحَادِيثِ إذَا اخْتَلَفَتْ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَلَسْت أُرِيدُ مَسْأَلَتَك مَا كَرِهْت مِنْ ذِكْرِ أَحَدٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُك فِي أَمْرٍ أُحِبُّ أَنْ تُوَضِّحَ لِي فِيهِ الْحُجَّةَ قَالَ: فَسَلْ. .
بَابُ صَلَاةِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مَرِيضًا بِالْمَأْمُومِينَ جَالِسًا وَصَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ قِيَامًا
سَأَلْت الشَّافِعِيَّ: هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ جَالِسًا وَكَيْفَ يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ أَيُصَلُّونَ قُعُودًا أَوْ قِيَامًا؟ فَقَالَ: يَأْمُرُ مَنْ يَقُومُ فَيُصَلِّي بِهِمْ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ أَمَّهُمْ جَالِسًا، وَصَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا كَانَ صَلَاتُهُمْ وَصَلَاتُهُ مُجْزِيَةً عَنْهُمْ مَعًا وَكَانَ كُلٌّ صَلَّى فَرْضَهُ كَمَا يُصَلِّي الْإِمَامُ إذَا كَانَ صَحِيحًا قَائِمًا، وَيُصَلِّي خَلْفَهُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ جَالِسًا فَيَكُونُ كُلٌّ صَلَّى فَرْضَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَرْت أَنْ يُوَكِّلَ الْإِمَامُ إذَا مَرِضَ رَجُلًا صَحِيحًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَائِمًا أَنَّ مَرَضَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَأَنَّا لَمْ نَعْلَمْهُ صَلَّى بِالنَّاسِ جَالِسًا فِي مَرَضِهِ إلَّا مَرَّةً لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ بَعْدَهَا عَلِمْتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِهِمْ وَالصَّلَاةَ قَاعِدًا جَائِزَانِ عِنْدَهُ مَعًا وَكَانَ صَلَاتُهُمْ مَعَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ حَفِظْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُقْعُدُوا ثُمَّ أَمَرَهُمْ حِينَ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ قَاعِدًا وَصَلَّى خَلْفَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى خَلْفَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَقَدْ رَوَيْت هَذَا فَكَيْفَ لَمْ تَأْخُذْ بِهِ؟ فَقَالَ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: وَمَا نَسَخَهُ؟ فَقَالَ: الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْت لَك يَدُلُّك عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ فِي صَرْعَةٍ صُرِعَهَا رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت فَمَا نَسَخَهُ؟ فَقَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute