كِتَابُ جِمَاعِ الْعِلْمِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا نَسَبَهُ النَّاسُ أَوْ نَسَبَ نَفْسَهُ إلَى عِلْمٍ يُخَالِفُ فِي أَنْ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اتِّبَاعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ إلَّا اتِّبَاعَهُ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَوْلٌ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ مَا سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا وَقَبْلَنَا فِي قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ قَبُولُ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِرْقَةٌ سَأَصِفُ قَوْلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): ثُمَّ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي تَثْبِيتِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفَرُّقًا مُتَبَايِنًا وَتَفَرَّقَ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ نَسَبَتْهُ الْعَامَّةُ إلَى الْفِقْهِ فِيهِ تَفَرُّقًا. أَمَّا بَعْضُهُمْ فَقَدْ أَكْثَرَ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالتَّخْفِيفِ مِنْ النَّظَرِ وَالْغَفْلَةِ وَالِاسْتِعْجَالِ بِالرِّيَاسَةِ وَسَأُمَثِّلُ لَك مِنْ قَوْلِ كُلِّ فِرْقَةٍ عَرَفْتهَا مِثَالًا يَدُلُّ عَلَى مَا وَرَاءَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
بَابُ حِكَايَةِ قَوْلِ الطَّائِفَةِ الَّتِي رَدَّتْ الْأَخْبَارَ كُلَّهَا.
(قَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ: لِي قَائِلٌ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِهِ أَنْتَ عَرَبِيٌّ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ وَأَنْتَ أَدْرَى بِحِفْظِهِ وَفِيهِ لِلَّهِ فَرَائِضُ أَنْزَلَهَا لَوْ شَكَّ شَاكٌّ قَدْ تَلَبَّسَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِحَرْفٍ مِنْهَا اسْتَتَبْته فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْته وَقَدْ قَالَ: عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} فَكَيْفَ جَازَ عِنْدَ نَفْسِك أَوْ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ فَرَضَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ مَرَّةً الْفَرْضُ فِيهِ عَامٌّ وَمَرَّةً الْفَرْضُ فِيهِ خَاصٌّ وَمَرَّةً الْأَمْرُ فِيهِ فَرْضٌ وَمَرَّةً الْأَمْرُ فِيهِ دَلَالَةٌ؟ وَإِنْ شَاءَ ذُو إبَاحَةٍ وَأَكْثَرُ مَا فَرَّقْت بَيْنَهُ مِنْ هَذَا عِنْدَك حَدِيثٌ تَرْوِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ آخَرَ أَوْ حَدِيثَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ وَجَدْتُك وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَك لَا تُبَرِّئُونَ أَحَدًا لَقِيتُمُوهُ وَقَدَّمْتُمُوهُ فِي الصِّدْقِ وَالْحِفْظِ وَلَا أَحَدًا لَقِيت مِمَّنْ لَقِيتُمْ مِنْ أَنْ يَغْلَطَ وَيَنْسَى وَيُخْطِئَ فِي حَدِيثِهِ بَلْ وَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخْطَأَ فُلَانٌ فِي حَدِيثِ كَذَا وَفُلَانٌ فِي حَدِيثِ كَذَا وَوَجَدْتُكُمْ تَقُولُونَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِحَدِيثٍ أَحْلَلْتُمْ بِهِ وَحَرَّمْتُمْ مِنْ عِلْمِ الْخَاصَّةِ لَمْ يَقُلْ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَخْطَأْتُمْ أَوْ مَنْ حَدَّثَكُمْ وَكَذَبْتُمْ أَوْ مَنْ حَدَّثَكُمْ لَمْ تَسْتَتِيبُوهُ وَلَمْ تَزِيدُوهُ عَلَى أَنْ تَقُولُوا لَهُ بِئْسَمَا قُلْت: أَفَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَظَاهِرُهُ وَاحِدٌ عِنْدَ مَنْ سَمِعَهُ بِخَبَرِ مَنْ هُوَ كَمَا وَصَفْتُمْ فِيهِ وَتُقِيمُونَ أَخْبَارَهُمْ مَقَامَ كِتَابِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُعْطُونَ بِهَا وَتَمْنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: فَقُلْت: إنَّمَا نُعْطِي مِنْ وَجْهِ الْإِحَاطَةِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ وَجِهَةِ الْقِيَاسِ وَأَسْبَابُهَا عِنْدَنَا مُخْتَلِفَةٌ وَإِنْ أَعْطَيْنَا بِهَا كُلِّهَا فَبَعْضُهَا أَثْبَتُ مِنْ بَعْضٍ قَالَ: وَمِثْلُ مَاذَا؟ قُلْت: إعْطَائِي مِنْ الرَّجُلِ بِإِقْرَارِهِ وَبِالْبَيِّنَةِ وَإِبَائِهِ الْيَمِينَ وَحَلَفَ صَاحِبُهُ وَالْإِقْرَارُ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ إبَاءِ الْيَمِينِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ وَنَحْنُ وَإِنْ أَعْطَيْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute