شِرَاءُ أَرْضِ الْجِزْيَةِ
وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَشْتَرِي أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْجِزْيَةِ فَقَالَ هُوَ جَائِزٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ تَزَلْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ وَيَكْتُبُونَ فِيهِ وَيَكْرَهُهُ عُلَمَاؤُهُمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَقَدْ أَجَبْتُكَ فِي هَذَا.
الْمُسْتَأْمَنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مُسْتَأْمَنِينَ لِلتِّجَارَةِ فَزَنَى بَعْضُهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ سَرَقَ هَلْ يُحَدُّ؟ قَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَالِحْ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ ذِمَّةٌ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ تُقَامُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ ذِمَّةٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ أَرَأَيْت إنْ كَانَ رَسُولًا لِمَلَكِهِمْ فَزَنَى أَتَرْجُمُهُ؟ أَرَأَيْت إنْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ مُسْتَأْمَنَةٍ أَتَرْجُمُهَا؟ أَرَأَيْت إنْ لَمْ أَرْجُمْهُمَا حَتَّى عَادَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا بِأَمَانٍ ثَانِيَةً أُمْضِي عَلَيْهِمَا ذَلِكَ الْحَدَّ أَرَأَيْت إنْ سُبِيَا أَيُمْضِي عَلَيْهِمَا حَدَّ الْحُرِّ أَمْ حَدَّ الْعَبْدِ وَهُمَا رَقِيقٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَخْرُجَا ثَانِيَةً فَأَسْلَمَ أَهْلُ تِلْكَ الدَّارِ وَأَسْلَمَاهُمَا أَوْ صَارَا ذِمَّةً أَيُؤْخَذَانِ؟ وَإِنْ أُخِذُوا بِذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَيْنَا أَنُقِيمُ عَلَيْهِمْ الْحَدَّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا خَرَجَ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَصَابُوا حُدُودًا فَالْحُدُودُ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ فَمَا كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْآدَمِيِّينَ فَيَكُونُ لَهُمْ عَفْوُهُ وَإِكْذَابُ شُهُودٍ شَهِدُوا لَهُمْ بِهِ فَهُوَ مُعَطَّلٌ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِمُسْلِمٍ إنَّمَا هُوَ لِلَّهِ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُمْ لَمْ تُؤْمَنُوا. عَلَى هَذَا فَإِنْ كَفَفْتُمْ وَإِلَّا رَدَدْنَا عَلَيْكُمْ الْأَمَانَ وَأَلْحَقْنَاكُمْ بِمَأْمَنِكُمْ فَإِنْ فَعَلُوا أَلْحَقُوهُمْ بِمَأْمَنِهِمْ وَنَقَضُوا الْأَمَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا أَمَّنَهُمْ أَنْ لَا يُؤَمِّنَهُمْ حَتَّى يَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ إنْ أَصَابُوا حَدًّا أَقَامَهُ عَلَيْهِمْ وَمَا كَانَ مِنْ حَدٍّ لِلْآدَمِيِّينَ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا قَتَلْنَاهُمْ؟ فَإِذَا كُنَّا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَنْ نُقَيِّدَ مِنْهُمْ حَدَّ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لِلْآدَمِيِّينَ كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ كُلَّ مَا كَانَ دُونَهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلُ الْقِصَاصِ فِي الشَّجَّةِ وَأَرْشِهَا وَمِثْلُ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ. وَالْقَوْلُ فِي السَّرِقَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقْطَعُوا وَيَغْرَمُوا مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَعَ مَالَ الْمُسْلِمِ بِالْقَطْعِ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ غَرَّمُوا مَنْ اسْتَهْلَكَ مَالًا غَيْرَ السَّرِقَةِ وَهَذَا مَالٌ مُسْتَهْلَكٌ فَغَرَّمْنَاهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَغْرَمَ الْمَالَ وَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْآدَمِيِّينَ وَالْقَطْعُ لِلَّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ حُدُودِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ؟ قِيلَ أَرَأَيْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ الْمُحَارِبَ وَذَكَرَ حَدَّهُ ثُمَّ قَالَ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَصَابَ لِرَجُلٍ دَمًا أَوْ مَالًا ثُمَّ تَابَ أُقِيمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِهَذَا وَبِغَيْرِهِ.
بَيْعُ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ أَرْضَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَبَاعَهُمْ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute