اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} إلَى مُبِينًا (قَالَ): وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي كَتَبْنَا قَبْلَهَا، وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الِاسْتِبْدَالَ بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ تُرِدْ هِيَ فُرْقَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا بِأَنْ يَسْتَكْرِهَهَا عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتُعْطِيَهُ فِدْيَةً مِنْهُ فَإِنْ فَعَلَ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ رَدَّ مَا أَخَذَ مِنْهَا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا عَلَيْهِ لَزِمَهُ مَا سَمَّى مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَكَانَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ إنْ لَمْ يَأْتِ عَلَى جَمِيعِ طَلَاقِهَا (قَالَ): وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إذَا أَزْمَعَ عَلَى فِرَاقِهَا أَنْ يأتهب مِنْ مَالِهَا شَيْئًا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ إعْطَاءَهَا يَكُونُ عَلَى اسْتِطَابَةِ نَفْسِهِ بِحَبْسِهَا لَا عَلَى فِرَاقِهَا وَيُشْبِهُ مَعَانِيَ الْخَدِيعَةِ لَهَا (قَالَ): وَلَا يَبِينُ لِي رَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهَا لَوْ وَهَبَتْهُ بِلَا ضَرُورَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا (قَالَ): وَلَوْ عَلِمَتْهُ يُرِيدُ الِاسْتِبْدَالَ بِهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا حَقَّهَا فَنَشَزَتْ وَمَنَعَتْهُ بَعْضَ الْحَقِّ وَأَعْطَتْهُ مَالًا جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَصَارَتْ فِي مَعْنَى مَنْ يَخَافُ أَنْ لَا يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ وَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُرَادَ فِرَاقُهَا فَيُفَارِقُ بِلَا سَبَبٍ مِنْهَا وَلَا مَنْعٍ لِحَقٍّ فِي حَالٍ مُتَقَدِّمَةٍ لِإِرَادَتِهِ وَلَا مُتَأَخِّرَةٍ.
حَبَسَ الْمَرْأَة عَلَى الرَّجُل يُكْرِههَا لِيَرِثهَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الْآيَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): يُقَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يَمْنَعُ الْمَرْأَةَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ عَنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسِهَا وَيَحْبِسُهَا لِتَمُوتَ فَيَرِثُهَا أَوْ يَذْهَبُ بِبَعْضِ مَا آتَاهَا اسْتَثْنَى إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.
وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْبِسَهَا كَارِهًا لَهَا إذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قَرَأَ إلَى " كَثِيرًا " (قَالَ): وَقِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ حَبْسَهَا مَعَ مَنْعِهَا الْحَقَّ لِيَرِثَهَا أَوْ يَذْهَبَ بِبَعْضِ مَا آتَاهَا (قَالَ): وَإِذَا مَنَعَهَا الْحَقَّ وَحَبَسَهَا وَذَهَبَ بِبَعْضِ مَا آتَاهَا فَطَلَبَتْهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهَا إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ قِيلَ فَإِنْ أَتَتْ عِنْدَهُ بِفَاحِشَةٍ وَهِيَ الزِّنَا فَحَبَسَهَا عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ فِي الْقَسْمِ لَا أَنْ ضَرَبَهَا وَلَا مَنَعَهَا نَفَقَةً فَأَعْطَتْهُ بَعْضَ مَا آتَاهَا حَلَّ لَهُ أَخْذُهُ وَكَانَتْ مَعْصِيَتُهَا اللَّهَ بِالزِّنَا ثُمَّ مَعْصِيَتُهُ أَكْبَرَ مِنْ مَعْصِيَتِهَا فِي غَيْرِ الزِّنَا وَهِيَ إذَا عَصَتْهُ فَلَمْ تُقِمْ حُدُودَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جُنَاحٌ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ
(قَالَ): فَإِنْ حَبَسَهَا مَانِعًا لَهَا الْحَقَّ وَلَمْ تَأْتِ بِفَاحِشَةٍ لِيَرِثَهَا فَمَاتَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَرِثَهَا وَلَا يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا فِي حَيَاتِهَا فَإِنْ أَخَذَهُ رَدَّ عَلَيْهَا وَكَانَ أَمْلَكَ بِرَجْعَتِهَا.
وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَفِي مَعْنَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} إِلَى {سَبِيلا} فَنُسِخَتْ بِآيَةِ الْحُدُودِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ» فَلَمْ يَكُنْ عَلَى امْرَأَةٍ حَبْسٌ يَمْنَعُ بِهِ حَقَّ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَكَانَ عَلَيْهَا الْحَدُّ (قَالَ): وَمَا أَشْبَهَ مَا قِيلَ مِنْ هَذَا بِمَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ لِلَّهِ أَحْكَامًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِأَنْ جَعَلَ لَهُ عَلَيْهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا مُحْسِنَةً وَمُسِيئَةً وَيَحْبِسَهَا مُحْسِنَةً وَمُسِيئَةً وَكَارِهًا لَهَا وَغَيْرَ كَارِهٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَنْعَهَا حَقَّهَا فِي حَالٍ.
مَا تَحِلُّ بِهِ الْفِدْيَةُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} إِلَى {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute