وَجَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَهُ وَجَعَلْت لَهُ الْقِصَاصَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْعَقْلَ وَلَمْ أَقْبَلْ قَوْلَ الْجَانِي إذَا عَلِمْت الْجِنَايَةَ كَمَا أَصْنَعُ فِيهِ إذَا جَرَحَهُ فَلَمْ يَزَلْ ضَمِنًا حَتَّى مَاتَ. وَلَوْ قَالَ قَدْ ذَهَبَ جَمِيعُ مَا كُنْت أَجِدُ فِيهِ وَصَحَّ، ثُمَّ ذَهَبَ بَعْدُ بَصَرُهُ جَعَلْته ذَاهِبًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَا شَيْءَ فِيهِ وَسَوَاءٌ عَيْنُ الْأَعْوَرِ وَعَيْنُ الصَّحِيحِ فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ لَا يَخْتَلِفَانِ: وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ ضَعِيفَ الْبَصَرِ غَيْرَ ذَاهِبِهِ فَفِيهِ كَعَيْنِ الصَّحِيحِ الْبَصَرِ فِي الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ كَمَا يَكُونُ ضَعِيفَ الْيَدِ فَتَكُونُ يَدُهُ كَيَدِ الْقَوِيِّ.
وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ وَكَانَ عَلَى النَّاظِرِ وَكَانَ بَصَرُهُ بِهَا أَقَلَّ مِنْ بَصَرِهِ بِالصَّحِيحَةِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ نِصْفُ الْبَصَرِ أَوْ ثُلُثُهُ قُضِيَ لَهُ بِأَرْشٍ مَا عَلِمَ أَنَّهُ بَصَرُهُ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقَدْ مِنْ صَحِيحِ الْبَصَرِ وَكَانَ ذَلِكَ كَالْقَطْعِ وَالشَّلَلِ فِي بَعْضِ الْأَصَابِعِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا نَقْصَ الْبَصَرِ مِنْ نَفْسِ الْخِلْقَةِ أَوْ الْعَارِضِ وَلَا عِلَّتَهُ دُونَ الْبَصَرِ وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ عَلَى غَيْرِ النَّاظِرِ فَهِيَ كَعَيْنِ الصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَيْبٍ فِيهَا لَا يُنْقِصُ بَصَرَهَا بِتَغْطِيَةٍ لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ عَلَى النَّاظِرِ وَكَانَ رَقِيقًا يُبْصِرُ مِنْ تَحْتِهِ بَصَرًا دُونَ بَصَرِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْبَيَاضُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ قَدْرَ بَصَرِهِ بِالْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا الْبَيَاضُ وَبَصَرُهُ بِالْعَيْنِ الَّتِي لَا بَيَاضَ فِيهَا فَيُجْعَلُ لَهُ قَدْرُهُ كَأَنْ كَانَ يُبْصِرُ مِنْ تَحْتِ الْبَيَاضِ نِصْفَ بَصَرِهِ بِالصَّحِيحَةِ فَأُطْفِئَتْ عَيْنُهُ فَفِيهَا نِصْفُ عَقْلِ الْبَصَرِ وَلَا قَوَدَ بِحَالٍ عَمْدًا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهَا أَوْ خَطَأً. .
النَّقْصُ فِي الْبَصَرِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ عَيْنَ الرَّجُلِ فَقَبِلْت قَوْلَ أَهْلِ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ أَنَّ بَصَرَهَا نَقَصَ وَلَمْ يُحِدُّوا نَقْصَهُ وَلَا أَحْسَبُهُمْ يُحِدُّونَهُ أَوْ قَبِلْت قَوْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنَّهُ نَقَصَ اخْتَبَرْته بِأَنْ أَعْصِبَ عَلَى عَيْنِهِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَنْصِبُ لَهُ شَخْصًا عَلَى رَبْوَةٍ أَوْ مُسْتَوًى، فَإِذَا أَثْبَتَهُ بِعِدَّتِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَصَرُهُ فَلَا يُثْبِتهُ، ثُمَّ أَعْصِبُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ وَأُطْلِقُ عَيْنَهُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهَا فَأَنْصِبُ لَهُ شَخْصًا فَإِذَا أَثْبَتَهُ بِعِدَّتِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَصَرُهَا، ثُمَّ أَذْرَعُ مُنْتَهَى بَصَرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا وَالْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنْ كَانَ يُبْصِرُ بِهَا نِصْفَ بَصَرِ عَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ جَعَلْت لَهُ نِصْفَ أَرْشِ الْعَيْنِ وَلَا قَوَدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَوَدٍ مِنْ نِصْفِ بَصَرٍ، وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ: إنَّ الْبَصَرَ كُلَّمَا أَبْعَدْته كَانَ أَكَلَّ لَهُ وَكَانُوا يَعْرِفُونَ بِالذَّرْعِ قَدْرَ مَا ذَهَبَ مِنْ الْبَصَرِ مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ قَبِلْتُ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا مَعْرِفَةَ إحَاطَةٍ أَوْ اخْتَلَفُوا جَعَلْته بِالذَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ وَلَمْ أَزِدْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ عَلَى حِصَّةِ مَا نَقَصَ بَصَرُهُ بِالذَّرْعِ، وَإِنْ قَالَ الْجَانِي أَحْلِفْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مَا يَثْبُتُ الشَّخْصُ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُهُ أَحَلَفْته لَهُ وَلَمْ أَقْضِ لَهُ حَتَّى يَحْلِفَ، وَإِنَّمَا قُلْت لَا أَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ حَدِّ نَقْصِ الْبَصَرِ أَوْ لَا أَنِّي سَمِعْت بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الصِّدْقِ وَالْبَصَرِ يَقُولُ: لَا يُحَدُّ أَبَدًا نَقْصُ الْعَيْنِ إذَا بَقِيَ فِيهَا مِنْ الْبَصَرِ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا بِمَا وَصَفْت مِنْ نَصْبِ الشَّخْصِ لَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى بَصَرِ الرَّجُلِ عَمْدًا فَنَقَصَ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا قَوَدَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْقِصَ مِنْ بَصَرِ الْجَانِي بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ بَصَرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا يُجَاوِزُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي عَيْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَيَاضٌ فَأَذْهَبَهَا الْجَانِي فَلَا قِصَاصَ، وَلَا قِصَاصَ فِي ذَهَابِ الْبَصَرِ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَإِذَا ذَهَبَ كُلُّهُ فَإِنْ كَانَ بَخَقَ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بُخِقَتْ عَيْنُهُ وَإِذَا كَانَ قَلَعَهَا قُلِعَتْ عَيْنُهُ وَإِنْ كَانَ ضَرَبَهَا حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِهَا أَوْ أَشْخَصَهَا عَنْ مَوْضِعِهَا وَلَمْ يُنْدِرْهَا مِنْ مَوْضِعِهَا قِيلَ: لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَصْنَعَ بِعَيْنِهِ هَذَا، فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ بِالْعُيُونِ: إنَّ الْبَصَرَ كُلَّمَا أَبْعَدَ كَانَ أَكَّلَ لَهُ وَكَانُوا يَعْرِفُونَ بِالذَّرْعِ قَدْرَ مَا ذَهَبَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute