بَابُ مَا يُؤَدَّى عَنْ الرَّجُلِ الْبَالِغِ الْحَجُّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا وَصَلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ الْبَالِغُ إلَى أَنْ يَحُجَّ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا مَقْدِرَةَ لَهُ بِذَاتِ يَدِهِ فَحَجَّ مَاشِيًا فَهُوَ مُحْسِنٌ بِتَكَلُّفِهِ شَيْئًا لَهُ الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِهِ وَحَجَّ فِي حِينٍ يَكُونُ عَمَلُهُ مُؤَدِّيًا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ مِنْ رَجُلٍ يَخْدُمُهُ وَحَجَّ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ أُؤَاجِرُ نَفْسِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَأَنْسُكَ مَعَهُمْ الْمَنَاسِكَ هَلْ يُجْزِئُ عَنِّي؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
(قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ حَجَّ وَغَيْرُهُ يَكْفِيهِ مُؤْنَتَهُ؛ لِأَنَّهُ حَاجٌّ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ (قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ حَجَّ فِي عَامٍ أَخْطَأَ النَّاسُ فِيهِ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ حَجَّهُمْ يَوْمَ يَحُجُّونَ كَمَا فِطْرُهُمْ يَوْمَ يُفْطِرُونَ وَأَضْحَاهُمْ يَوْمَ يُضَحُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا كُلِّفُوا الظَّاهِرَ فِيمَا يَغِيبُ عَنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَكَذَا لَوْ أَصَابَ رَجُلٌ أَهْلَهُ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالْحِلَاقِ كَانَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَكَانَ حَجُّهُ تَامًّا، وَهَكَذَا لَوْ دَخَلَ عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَخَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّتُهُ وَأَهْرَاقَ دَمًا، وَهَكَذَا كُلُّ مَا فَعَلَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ فِي إحْرَامِهِ غَيْرُ الْجِمَاعِ كَفَّرَ وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.
بَابُ حَجِّ الصَّبِيِّ يَبْلُغُ وَالْمَمْلُوكِ يَعْتِقُ وَالذِّمِّيُّ يُسْلِمُ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا بَلَغَ غُلَامٌ أَوْ عَتَقَ مَمْلُوكٌ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ بِعَرَفَةَ أَوْ مُزْدَلِفَةَ فَأَحْرَمَ أَيْ هَؤُلَاءِ صَارَ إلَى هَذِهِ الْحَالِ بِالْحَجِّ ثُمَّ وَافَى عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ، وَاقِفًا بِهَا أَوْ غَيْرَ وَاقِفٍ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَأَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ، وَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ وَالْغُلَامُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ بِالْحَجِّ يَنْوِيَانِ بِإِحْرَامِهِمَا فَرْضَ الْحَجِّ أَوْ النَّافِلَةَ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُمَا ثُمَّ عَتَقَ هَذَا وَبَلَغَ هَذَا قَبْلَ عَرَفَةَ أَوْ بِعَرَفَةَ أَوْ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ أَيْنَ كَانَا فَرَجَعَا إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ احْتَاطَا بِأَنْ يُهْرِيقَا دَمًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ بِعَرَفَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ دَمٍ يُهْرِيقُهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ لَيْسَ بِإِحْرَامٍ
وَلَوْ أَذِنَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَبْلَ عَرَفَةَ ثُمَّ عَتَقَ فَوَافَى عَرَفَةَ لَمْ تُجْزِ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِإِذْنِ أَهْلِهِ وَهِيَ تَجُوزُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تُجْزِ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا أَفْسَدَهَا مَضَى فِيهَا فَاسِدَةً وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهَا وَيُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ إذَا قَضَاهَا فَالْقَضَاءُ عَنْهُ يُجْزِيهِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فِي الْغُلَامِ الْمُرَاهِقِ لَمْ يَبْلُغْ: يُهِلُّ بِالْحَجِّ ثُمَّ يُصِيبُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ عَرَفَةَ ثُمَّ يَحْتَلِمُ بِعَرَفَةَ يَمْضِي فِي حَجِّهِ وَلَا أَرَى هَذِهِ الْحَجَّةَ مُجْزِئَةً عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَعَلَ لَهُ حَجًّا فَالْحَاجُّ إذَا جَامَعَ أَفْسَدَ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ وَبَدَنَةٌ، فَإِذَا جَاءَ بِبَدَلٍ وَبَدَنَةٍ أَجْزَأَتْ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (قَالَ): وَلَوْ أَهَلَّ ذِمِّيٌّ أَوْ كَافِرٌ مَا كَانَ هَذَا بِحَجٍّ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ عَرَفَةَ وَبَعْدَ الْجِمَاعِ فَجَدَّدَ إحْرَامًا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ دُونِهِ وَأَهْرَاقَ دَمًا لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا فِي حَالِ الشِّرْكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا زَعَمْت أَنَّهُ كَانَ فِي إحْرَامِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ، أَفَكَانَ الْفَرْضُ عَنْهُ مَوْضُوعًا؟ قِيلَ: لَا، بَلْ كَانَ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute