للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْمُكَاتَبُ فَعَتَقَ كُلُّهُ كَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَالنِّصْفُ الثَّانِي مُكَاتَبٌ بِحَالِهِ وَإِذَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نِصْفِهِ كَانَ الْمُكَاتَبُ حُرًّا وَكَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ نِصْفُ قِيمَتِهِ وَعِتْقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا فَعِتْقُ الْآخَرِ جَائِزٌ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا.

وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَوَضَعَ عَنْهُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يُعْتِقْهُ فَهُوَ كَعِتْقِهِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَكَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ فَالْوَلَاءُ لَهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُكَاتَبِ يُورَثُ

مِيرَاثُ الْمُكَاتَبِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ ثَيِّبًا بِرِضَاهَا مُكَاتَبَهُ أَوْ عَبْدَهُ، ثُمَّ كَاتَبَهُ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَابْنَتُهُ وَارِثَةٌ لَهُ فَسَدَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ مِنْ زَوْجِهَا شَيْئًا وَلَوْ مَاتَ وَلَيْسَتْ ابْنَتُهُ وَارِثَةً كَانَا عَلَى النِّكَاحِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ فَنَصِيبُ الَّذِي أَعْتَقَهُ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي كَاتَبَهُ وَكَذَلِكَ إذَا أَبْرَأَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ فَنَصِيبُهُ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي رَقَبَتِهِ شَيْءٌ وَكَانَ نَصِيبُهُ حُرًّا بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ إيَّاهُ وَإِبْرَاءَهُ مِنْهُ عِتْقٌ لَا وَلَاءَ لَهُ بِهِ إنَّمَا الْوَلَاءُ لِلَّذِي عَقَدَ كِتَابَتَهُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ تَقْوِيمِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْوَلَاءُ مَا لَمْ يَعْجِزْ فَيُعْتِقُهُ بَعْدَ الْعَجْزِ وَأُعْتِقُهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ رِقِّهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ رِقٌّ فَعَجَزَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَلَوْ وَرِثَهُ وَآخَرُ فَأَعْتَقَاهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُمَا لَوْ كَانَا وَرِثَا مَالًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُمَا وَرِثَا رَقَبَتَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا أَعْتَقَاهُ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ الْكِتَابَةَ (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا فَقَالَ أَهْلُهَا نَبِيعُكهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ عَائِشَةَ وَذَلِكَ مُرْسَلٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: وَأَحْسِبُ حَدِيثَ نَافِعٍ أَثْبَتَهَا كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ مُسْنَدٌ وَأَنَّهُ أَشْبَهُ وَعَائِشَةُ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ كَانَتْ شَرَطَتْ لَهُمْ الْوَلَاءَ فَأَعْلَمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا إنْ أَعْتَقَتْ فَالْوَلَاءُ لَهَا وَإِنْ كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ إنَّهَا شَرَطَتْ لَهُمْ الْوَلَاءَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّ هِشَامًا أَوْ عُرْوَةَ حِينَ سَمِعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ " إنَّمَا رَأَى أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَشْرِطَ لَهُمْ الْوَلَاءَ فَلَمْ يَقِفْ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى مَا وَقَفَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: فَالْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ مُتَّفِقَةٌ فِيمَا سِوَى هَذَا الْحَرْفِ الَّذِي قَدْ يَغْلَطُ فِيهِ مُنْتَهَى الْغَلَطِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ إنْ لَمْ يَعْجِزُوا فَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنْ لَا يُبَاعَ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يَعْجِزَ أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا ثَابِتًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ عَرَفْت مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ فَكَانَ مَعْنَى الْحَدِيثِ غَيْرَ هَذَا وَهُوَ أَحْرَاهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةً عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ شَرْطٌ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ فَمَتَى شَاءَ الْمُكَاتَبُ أَبْطَلَ الْكِتَابَةَ؛ لِأَنَّهَا وَثِيقَةٌ لَهُ لَمْ نُخْرِجْهُ مِنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ وَلَا نُخْرِجُهُ إلَّا بِأَدَائِهَا وَهَذَا هُوَ أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَبِهِ أَقُولُ فَإِذَا رَضِيَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ فَلَهَا وَلَهُ إبْطَالُهَا كَمَا يَكُونُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ إبْطَالُهُ وَكَمَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَتَرَكَ دُخُولَهَا وَيُقَالُ لَهُ: إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>