مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأُعْطِيَ شُرَكَاؤُهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ»، فَإِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ الشِّقْصَ لَهُ فِي الْعَبْدِ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَدَفَعَ الْعِوَضَ مِنْ مَالِهِ إلَى شَرِيكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ.
وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ، وَكَانَ الْمَالِكُ الشَّرِيكُ مَعَهُ عَلَى مِلْكِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ مُوَافِقٌ لِصَاحِبِهِ، إذَا أَعْسَرَ الْمُعْتِقُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِ شَرِيكِهِ مَالُهُ بِلَا عِوَضٍ يَأْخُذُهُ، وَإِذَا أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ تَمَّ الْعِتْقُ، وَكَانَ لِشَرِيكِهِ الْعِوَضُ، فَأُعْطِيَ مِثْلَ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَتَمَّ الْعِتْقُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ يُبْطِلُ الِاسْتِسْعَاءَ بِكُلِّ حَالٍ، وَيَتَّفِقَانِ فِي ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: إبْطَالُ الِاسْتِسْعَاءِ، وَثُبُوتُ الرِّقِّ بَعْدَ الْعِتْقِ فِي حَالِ عُسْرَةِ الْمُعْتِقِ، وَنَفَاذُ الْعِتْقِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا، ثُمَّ يَنْفَرِدُ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ عِتْقَ الْبَتَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَصِحَّ صَاحِبُهُ وَصِيَّةٌ، وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَرَابَةِ، وَلَك أَنَّ الْمَمَالِيكَ لَيْسُوا بِذَوِي قَرَابَةٍ لِلْمُعْتِقِ، وَالْمُعْتِقُ عَرَبِيٌّ وَالْمَمَالِيكُ عَجَمٌ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} مَنْسُوخَةٌ بِالْمَوَارِيثِ وَالْآخَرُ، أَنَّ الْوَصَايَا إذَا جُوِّزَ بِهَا الثُّلُثُ رُدَّتْ إلَى الثُّلُثِ، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ فِي أَنْ لَا يُجَاوَزَ بِالْوَصَايَا الثُّلُثُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ رَجُلٌ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَعْدٍ وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لَنَا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدَعْ وَارِثًا يُعْرَفُ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ يَدُلُّ عَلَى خَمْسَةِ مَعَانٍ، وَحَدِيثُ نَافِعٍ يَدُلُّ عَلَى ثَلَاثَةٍ كُلُّهَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ.
بَاب الْقُرْعَةِ فِي الْمَمَالِيكِ وَغَيْرِهِمْ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ قُرْعَةُ الْعَرَبِ قِدَاحًا يَعْمَلُونَهَا مَنْحُوتَةً مُسْتَوِيَةً ثُمَّ يَضَعُونَ عَلَى كُلِّ قَدَحٍ مِنْهَا عَلَامَةَ رَجُلٍ ثُمَّ يُحَرِّكُونَهَا ثُمَّ يَقْبِضُونَ بِهَا عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ، فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ (قَالَ): وَأَحَبُّ الْقُرْعَةِ إلَيَّ وَأَبْعَدُهَا مِنْ أَنْ يَقْدِرَ الْمُقْرِعُ فِيهَا عَلَى الْحَيْفِ فِيمَا أَرَى أَنْ يَقْطَعَ رِقَاعًا صِغَارًا مُسْتَوِيَةً، فَيَكْتُبُ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمَ ذِي السَّهْمِ، حَتَّى يَسْتَوْظِفَ أَسْمَاءَهُمْ، ثُمَّ تُجْعَلُ فِي بَنَادِقَ طِينٍ مُسْتَوِيَةٍ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِوَزْنٍ وُزِنَتْ، ثُمَّ تُسْتَجَف قَلِيلًا ثُمَّ تُلْقَى فِي ثَوْبِ رَجُلٍ لَمْ يَحْضُرْ الْكِتَابَ وَلَا إدْخَالَهَا فِي الْبَنَادِقِ وَيُغَطَّى عَلَيْهَا ثَوْبُهُ ثُمَّ يُقَالُ: أَدْخِلْ يَدَك فَأَخْرِجْ بُنْدُقَةً، فَإِذَا أَخْرَجَهَا فُضَّتْ وَقَرَأَ اسْمَ صَاحِبِهَا ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ الْجُزْءَ الَّذِي أَقْرَعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُقَالُ: أُقْرِعَ عَلَى السَّهْمِ الَّذِي يَلِيه، ثُمَّ هَكَذَا مَا بَقِيَ مِنْ السُّهْمَانِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْفَدَ.
وَهَكَذَا فِي الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ، فَإِذَا مَاتَ مَيِّتٌ وَتَرَكَ رَقِيقًا قَدْ أَعْتَقَهُمْ كُلَّهُمْ، أَوْاقْتَصَرَ بِعِتْقِهِ عَلَى الثُّلُثِ، أَوْ أَعْتَقَ ثُلُثَيْهِمْ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، جُزِّئُوا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَكَتَبَ سَهْمَ الْعِتْقِ فِي وَاحِدٍ وَسَهْمَا الرِّقِّ فِي اثْنَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ الَّذِي يُخْرِجُ السِّهَامَ فَقِيلَ: أَخْرِجْ عَلَى هَذَا الْجُزْءِ وَيُعَرَّفُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَيْهِ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَتَقَ الْجُزْءُ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ الْجُزْءَانِ الْآخَرَانِ، فَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَكَانَا اثْنَيْنِ كَتَبْنَا اسْمَيْهِمَا ثُمَّ قُلْنَا: أَخْرِجْ عَلَى هَؤُلَاءِ فَأَيُّهُمْ خَرَجَ سَهْمُهُ فَهُوَ لَهُ وَالْبَاقِي لِلثَّانِي، فَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ اثْنَيْنِ كَتَبْنَا اسْمَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى الرَّقِيقِ أَخَذَ جُزْأَهُ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ وَكَانَتْ حُقُوقُهُمْ مُخْتَلِفَةً أَخَذْنَا الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ بَقِيَا رَقِيقَيْنِ وَاسْتَأْنَفْنَا فَأَقْرَعْنَا ثُمَّ أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ قُرْعَةً جَدِيدَةً مُسْتَأْنَفَةً، وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ أَوَّلًا عَلَى جُزْءٍ رَقُّوا، ثُمَّ قِيلَ أَخْرِجْ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْعِتْقِ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي عَتَقُوا وَرَقَّ الثَّالِثُ، وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي عَتَقَ الْجُزْءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute