للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كُنَّ أَسْلَمْنَ فَهُنَّ بِالْإِسْلَامِ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَحْرِيمِ الْوَثَنِيَّاتِ عَفَائِفَ كُنَّ أَوْ زَوَانِيَ عَلَى مَنْ آمَنَ زَانِيًا كَانَ أَوْ عَفِيفًا وَلَا فِي أَنَّ الْمُسْلِمَةَ الزَّانِيَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُشْرِكِ بِكُلِّ حَالٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ " لَا يَزْنِي الزَّانِي إلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ " تَبْيِينُ شَيْءٍ إذَا زَنَى فَطَاوَعَتْهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ مُشْرِكًا أَوْ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ مُشْرِكَةً فَهُمَا زَانِيَانِ وَالزِّنَا مُحَرَّمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ فِي هَذَا أَمْرٌ يُخَالِفُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ فَنَحْتَجُّ عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَمَنْ قَالَ هَذَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَى ثُبُوتِ مَعْنَاهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَاجْتِمَاعُهُمْ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} فَقَدْ قِيلَ إنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي مُشْرِكَاتِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمُشْرِكَاتِ عَامَّةً ثُمَّ رَخَّصَ مِنْهُنَّ فِي حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيمَا عَلِمْنَا فِي أَنَّ الزَّانِيَةَ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِمُشْرِكٍ وَثَنِيٍّ وَلَا كِتَابِيٍّ، وَأَنَّ الْمُشْرِكَةَ الزَّانِيَةَ لَا تَحِلُّ لِمُسْلِمٍ زَانٍ وَلَا غَيْرِهِ فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ اللَّهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ هُوَ حُكْمٌ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ إنَّ الزَّانِيَةَ الْمُسْلِمَةَ يَنْكِحُهَا الزَّانِي أَوْ الْمُشْرِكُ وَقَدْ اعْتَرَفَ مَاعِزٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ «حَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكْرًا فِي الزِّنَا فَجَلَدَهُ وَجَلَدَ امْرَأَةً» فَلَا نَعْلَمُهُ قَالَ لِلزَّوْجِ: هَلْ لَك زَوْجَةٌ فَتَحْرُمُ عَلَيْك إذَا زَنَيْت وَلَا يُزَوَّجْ هَذَا الزَّانِي وَلَا الزَّانِيَةُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ زَانِيًا بَلْ يُرْوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا شَكَا مِنْ امْرَأَتِهِ فُجُورًا فَقَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ إنِّي أُحِبُّهَا فَقَالَ اسْتَمْتِعْ بِهَا» وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً أَحْدَثَتْ وَتَذَكَّرَ حَدَثَهَا فَقَالَ عُمَرُ " انْكِحْهَا نِكَاحَ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ ".

مَا جَاءَ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ نِكَاحِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ وَغَيْرِهِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ} إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا}.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَالْأُمَّهَاتُ أُمُّ الرَّجُلِ وَأُمَّهَاتُهَا وَأُمَّهَاتُ آبَائِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْجَدَّاتُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْأُمَّهَاتِ، وَالْبَنَاتُ بَنَاتُ الرَّجُلِ لِصُلْبِهِ وَبَنَاتُ بَنِيهِ وَبَنَاتُهُ وَإِنْ سَفُلْنَ فَكُلُّهُنَّ يَلْزَمُهُنَّ اسْمُ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتُ مَنْ وَلَدَ أَبُوهُ لِصُلْبِهِ أَوْ أُمُّهُ بِعَيْنِهَا، وَعَمَّاتُهُ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَمَنْ فَوْقَهُمَا مِنْ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ وَخَالَاتُهُ مَنْ وَلَدَتْهُ جَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّهِ وَمَنْ فَوْقَهَا مِنْ جَدَّاتِهِ مِنْ قِبَلِهَا وَبَنَاتُ الْأَخِ كُلٌّ مِنْ وَلَدِ الْأَخِ لِأَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ أَوْ لَهُمَا وَمِنْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَأَوْلَادِهِ بَنِي أَخِيهِ وَإِنْ سَفُلُوا وَهَكَذَا بَنَاتُ الْأُخْتِ وَحَرَّمَ اللَّهُ الْأُمَّ وَالْأُخْتَ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَتَحْرِيمُهُمَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إذَا ذَكَرَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الرَّضَاعِ تَحْرِيمَ غَيْرِهِمَا لِأَنَّ الرَّضَاعَةَ أَضْعَفُ سَبَبًا مِنْ النَّسَبِ فَإِذَا كَانَ النَّسَبُ الَّذِي هُوَ أَقْوَى سَبَبًا قَدْ يَحْرُمُ بِهِ ذَوَاتُ نَسَبٍ ذُكِرْنَ وَيُحِلُّ ذَوَاتُ نَسَبِ غَيْرِهِنَّ إنْ سَكَتَ عَنْهُنَّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ هَكَذَا وَلَا يَحْرُمُ بِهِ إلَّا الْأُمُّ وَالْأُخْتُ وَقَدْ تَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّ امْرَأَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>