الرُّكُوبِ عَمَلٌ يَطُولُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَاكِبًا فَأَرَادَ النُّزُولَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الصَّلَاةَ وَأَنْ يَكُونَ فِي صَلَاتِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ أَخَفُّ فِي الْعَمَلِ مِنْ الرُّكُوبِ وَإِذَا نَزَلَ رَكَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَسَجَدَ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُهُ فَإِذَا نَزَلَ، ثُمَّ رَكِبَ قَطَعَ الصَّلَاةَ بِالرُّكُوبِ كَمَا وَصَفْت بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ إذَا نَزَلَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَاكِبًا، أَوْ مَاشِيًا فَإِنْ انْحَرَفَتْ بِهِ طَرِيقُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْحَرِفَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ انْحَرَفَتْ عَنْ جِهَتِهِ حَتَّى يُوَلِّيَهَا قَفَاهُ كُلَّهُ بِغَيْرِ طَرِيقٍ يَسْلُكُهَا فَقَدْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِبْلَةُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي انْحَرَفَ إلَيْهَا وَلَوْ غَبَّتْهُ دَابَّتُهُ، أَوْ نَعَسَ فَوَلَّى طَرِيقَهُ قَفَاهُ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ فَإِنْ رَجَعَ مَكَانَهُ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ تَطَاوَلَ سَاهِيًا، ثُمَّ ذَكَر مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ ثَبَتَ وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْحَرِفَ ذَاكِرًا؛ لِأَنَّهُ فِي صَلَاةٍ فَلَمْ يَنْحَرِفْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِذَا رَكِبَ فَأَرَادَ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ تَأَخِّي الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ أَنْ يَجْعَلَ قِبْلَتَهُ حَيْثُ تَوَجَّهَ مَرْكَبُهُ فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَبَعِيرُهُ وَاقِفٌ قِبَلَ الْقِبْلَةِ مُنْحَرِفًا عَنْ طَرِيقِهِ افْتَتَحَهَا عَلَى الْقِبْلَةِ وَمَضَى عَلَى بَعِيرِهِ وَإِنْ افْتَتَحَهَا وَبَعِيرُهُ وَاقِفٌ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَفْتَتِحُهَا إلَّا وَبَعِيرُهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى قِبْلَةٍ، أَوْ إلَى طَرِيقِهِ حِينَ يَفْتَتِحُهَا، فَأَمَّا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ
وَلَيْسَ لِرَاكِبِ السَّفِينَةِ وَلَا الرَّمَثِ وَلَا شَيْءٍ مِمَّا يُرْكَبُ فِي الْبَحْرِ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ السَّفِينَةُ وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرِفَ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ غَرِقَ فَتَعَلَّقَ بِعُودٍ صَلَّى عَلَى جِهَتِهِ يُومِئُ إيمَاءً، ثُمَّ أَعَادَ كُلَّ مَكْتُوبَةٍ صَلَّاهَا بِتِلْكَ الْحَالِ إذَا صَلَّاهَا إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى إلَى قِبْلَةٍ بِتِلْكَ الْحَالِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يُومِئُ وَلَا يُعِيدُ لِلضَّرُورَةِ وَيُصَلِّي مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ لِلضَّرُورَةِ فَيُعِيدُ قِيلَ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ كَيْفَ أَمْكَنَهُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ مَكْتُوبَةً بِحَالٍ.
بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَسَأَلْت بِلَالًا مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ قَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى قَالَ وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ يَوْمئِذٍ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَيُصَلِّي فِي الْكَعْبَةِ النَّافِلَةَ وَالْفَرِيضَةَ وَأَيُّ الْكَعْبَةِ اسْتَقْبَلَ الَّذِي يُصَلِّي فِي جَوْفِهَا فَهُوَ قِبْلَةٌ كَمَا يَكُونُ الْمُصَلِّي خَارِجًا مِنْهَا إذَا اسْتَقْبَلَ بَعْضَهَا كَانَ قِبْلَتَهُ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ بَابَهَا فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بُنْيَانِهَا يَسْتُرُهُ لَمْ يُجْزِهِ وَكَذَلِكَ إنْ صَلَّى وَرَاءَ ظَهْرِهَا فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ بُنْيَانِهَا شَيْءٌ يَسْتُرُهُ لَمْ يُجْزِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْكَعْبَةِ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ وَإِنْ بُنِيَ فَوْقَهَا مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّيَ فَصَلَّى فَوْقَهَا أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِيهَا نَافِلَةً جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute