للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَشَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِتَالَ عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ وَغَيْرُ بَالِغِينَ فَرَضَخَ لَهُمْ، وَلَمْ يُسْهِمْ وَأَسْهَمَ لِضُعَفَاءَ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ شَهِدُوا مَعَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السُّهْمَانَ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لَا فَرْضَ فِي الْجِهَادِ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي مَوْضِعِهِ.

مَنْ لَهُ عُذْرٌ بِالضَّعْفِ وَالْمَرَضِ وَالزَّمَانَةِ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجِهَادِ: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} الْآيَةَ وَقَالَ {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.

(وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَقِيلَ الْأَعْرَجُ الْمُقْعَدُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ الْأَعْرَجُ فِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ، وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي أَنْ لَا حَرَجَ أَنْ لَا يُجَاهِدُوا، وَهُوَ أَشْبَهُ مَا قَالُوا وَغَيْرُ مُحْتَمَلٍ غَيْرُهُ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي حَدِّ الضُّعَفَاءِ وَغَيْرُ خَارِجِينَ مِنْ فَرْضِ الْحَجِّ، وَلَا الصَّلَاةِ، وَلَا الصَّوْمِ، وَلَا الْحُدُودِ، وَلَا يُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَذِهِ الْآيَةِ إلَّا وَضْعَ الْحَرَجِ فِي الْجِهَادِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْغَزْوُ غَزْوَانَ: غَزْوٌ يُبْعِدُ عَنْ الْمَغَازِي، وَهُوَ مَا بَلَغَ مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ حَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ وَتُقَدَّمُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَغَزْوٌ يَقْرُبُ، وَهُوَ مَا كَانَ دُونَ لَيْلَتَيْنِ مِمَّا لَا تَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَمَا هُوَ أَقْرَبُ مِنْ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ الْغَزْوُ الْبَعِيدُ لَمْ يَلْزَمْ الْقَوِيَّ السَّالِمَ الْبَدَنِ كُلِّهِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا وَسِلَاحًا وَنَفَقَةً وَيَدَعْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قُوَّتَهُ إذَنْ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ يَلْبَثُ، وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ هَذَا دُونَ بَعْضٍ فَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَزَلَتْ {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا}، الْآيَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا وُجِدَ هَذَا كُلُّهُ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْجِهَادِ فَإِنْ تَهَيَّأَ لِلْغَزْوِ، وَلَمْ يَخْرُجْ، أَوْ خَرَجَ، وَلَمْ يَبْلُغْ مَوْضِعَ الْغَزْوِ، أَوْ بَلَغَهُ ثُمَّ أَصَابَهُ مَرَضٌ، أَوْ صَارَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ فِي أَيِّ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كَانَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَقَدْ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْعُذْرِ، فَإِنْ ثَبَتَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَوَسِعَهُ الثُّبُوتُ، وَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّتُهُمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي الْغَزْوِ إنْ غَزَا، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ فَرْضًا وَيَتَطَوَّعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِالْغَزْوِ، وَمَنْ قُلْت لَهُ أَنْ لَا يَغْزُوَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إذَا غَزَا بِالْعُذْرِ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يَلْتَقِ الزَّحْفَانِ، فَإِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا.

الْعُذْرُ بِغَيْرِ الْعَارِضِ فِي الْبَدَنِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا كَانَ سَالِمَ الْبَدَنِ قَوِيَّهُ وَاجِدًا لِمَا يَكْفِيهِ وَمَنْ خَلَفَ يَكُونُ دَاخِلًا فِيمَنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ، وَلَا وَاحِدٌ مِنْ أَبَوَيْنِ يَمْنَعُهُ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ يَحْجُبُهُ مَعَ الشَّهَادَةِ عَنْ الْجَنَّةِ الدَّيْنُ فَبَيَّنَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الْجِهَادُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِمُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ، وَإِذَا كَانَ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُطِيعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي تَرْكِ الْغَزْوِ فَبَيَّنَ أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِطَاعَةِ أَحَدِهِمَا إلَّا وَالْمُطَاعُ مِنْهُمَا مُؤْمِنٌ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَقُولُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَةُ أَبَوَيْهِ، وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَكُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>