وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ الْبَوَالِغُ قَدْ «اسْتَوْهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَارِيَةً بَالِغًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَفَدَى بِهَا رَجُلَيْنِ»
وَتَرْجَمَ فِي اخْتِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بَابُ الْمَنْبُوذِ (أَخْبَرَنَا) مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَ بِهِ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: مَا حَمَلَك عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ؟ قَالَ وَجَدْتهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتهَا فَقَالَ عَرِيفِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: عُمَرُ اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لَك وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ وَأَنَّ، وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقُلْت: لِلشَّافِعِيِّ فَبِقَوْلِ مَالِكٍ نَأْخُذُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَدْ تَرَكْتُمْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي الْمَنْبُوذِ فَإِنْ كُنْتُمْ تَرَكْتُمُوهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، فَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَاءُ إلَّا لِمَنْ أُعْتِقَ، وَلَا يَزُولُ عَنْ مُعْتَقٍ، فَقَدْ خَالَفْتُمْ عُمَرَ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ السَّائِبَةَ لَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ، وَهُوَ مُعْتَقٌ فَخَالَفْتُمُوهُمَا جَمِيعًا وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فِي النَّصْرَانِيِّ يَعْتِقُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ فَزَعَمْتُمْ أَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ، وَهُوَ مُعْتَقٌ وَخَالَفْتُمْ السُّنَّةَ فِي الْمَنْبُوذِ إذْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَهَذَا نَفَى أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْمَنْبُوذُ غَيْرُ مُعْتَقٍ وَلَا وَلَاءَ لَهُ فَمَنْ أَجْمَعَ تَرَكَ السُّنَّةَ وَخَالَفَ عُمَرَ فَيَا لَيْتَ شَعْرِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُجْمِعِينَ لَا يُسَمُّونَ فَإِنَّا لَا نَعْرِفُهُمْ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ، وَلَمْ يُكَلِّفْ اللَّهُ أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَ دِينَهُ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُهُ، وَلَوْ كَلَّفَهُ أَفَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَّنْ لَا يَعْرِفُ؟ إنَّ هَذِهِ لَغَفْلَةٌ طَوِيلَةٌ فَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا عَنْهُ هَذَا الْعِلْمَ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا فِي قَوْلِهِ وَاحِدٌ يَتْرُكُ مَا رُوِيَ فِي اللَّقِيطِ عَنْ عُمَرَ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ يَدَعُ السُّنَّةَ فِيهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَكَانَ قَوْلُهُ أَشَدَّ تَوْجِيهًا مِنْ قَوْلِكُمْ قَالُوا: يُتَّبَعُ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا لِلسُّنَّةِ وَأَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ فِي الْمُعْتَقِ فِيمَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ وَيَجْعَلُ وَلَاءَ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا: فِي السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قَوْلَنَا فَزَعَمْنَا أَنَّ عَلَيْهِمْ حُجَّةً بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ إلَّا لِمُعْتَقٍ، وَلَا يَزُولُ عَنْ مُعْتِقٍ فَإِنْ كَانَتْ لَنَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْكُمْ أَبْيَنُ؛ لِأَنَّكُمْ خَالَفْتُمُوهُ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ تُوَافِقُوهُ وَوَافَقْتُمُوهُ حَيْثُ كَانَ لَكُمْ شُبْهَةٌ لَوْ خَالَفْتُمُوهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute