الْمَاءَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ تُوجِبُ عَلَيْهِ طَلَبَهُ فَإِذَا طَلَبَهُ فَأَعْوَزَهُ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ نِيَّةٍ تُجِيزُ لَهُ التَّيَمُّمَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَرَى الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ لَهُ الدُّخُولُ فِيهَا حَتَّى يَطْلُبَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ اسْتَأْنَفَ نِيَّةً وَتَيَمُّمًا وَبَيْنَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فَيَرَى الْمَاءَ جَارِيًا إلَى جَنْبِهِ وَأَنْتَ تَقُولُ إذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَقَدْ صَلَّتْ رَكْعَةً تَقَنَّعَتْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهَا لَا يُجْزِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إنِّي آمُرُ الْأَمَةَ بِالْقِنَاعِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهَا وَالْمَرِيضَ بِالْقِيَامِ إذَا أَطَاقَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي صَلَاتِهِمَا بَعْدُ وَحُكْمُهُمَا فِي حَالِهِمَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمَا أَنْ تَقَنَّعَ هَذِهِ حُرَّةً وَيَقُومَ هَذَا مُطِيقًا وَلَا أَنْقُضُ عَلَيْهِمَا فِيمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَالَهُمَا الْأُولَى غَيْرُ حَالِهِمَا الْأُخْرَى وَالْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ عَمَلَانِ غَيْرُ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَا مَضَيَا وَهُمَا يَجْزِيَانِ حَلَّ لِلدَّاخِلِ الصَّلَاةُ وَكَانَا مُنْقَضَيْنِ مَفْرُوغًا مِنْهُمَا وَكَانَ الدَّاخِلُ مُطِيعًا بِدُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ مَا صَلَّى مِنْهَا مَكْتُوبًا لَهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْبِطَ عَمَلَهُ عَنْهُ مَا كَانَ مَكْتُوبًا لَهُ فَيَسْتَأْنِفَ وُضُوءًا وَإِنَّمَا أَحْبَطَ اللَّهُ الْأَعْمَالَ بِالشِّرْكِ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لَهُ تَوَضَّأْ وَابْنِ عَلَى صَلَاتِك فَإِنْ حَدَثَتْ حَالَةٌ لَا يَجُوزُ لَهُ فِيهَا ابْتِدَاءُ التَّيَمُّمِ وَقَدْ تَيَمَّمَ فَانْقَضَى تَيَمُّمُهُ وَصَارَ إلَى صَلَاةٍ وَالصَّلَاةُ غَيْرُ التَّيَمُّمِ فَانْفَصَلَ لِصَلَاةٍ بِعَمَلِ غَيْرِهَا وَقَدْ انْقَضَى وَهُوَ يَجْزِي أَنْ يَدْخُلَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُتَيَمِّمِ حُكْمٌ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا دَخَلَ فِيهَا بِهِ كَانَ حُكْمُهُ مُنْقَضِيًا وَاَلَّذِي يَحِلُّ لَهُ أَوَّلَ الصَّلَاةِ يَحِلُّ لَهُ آخِرَهَا.
بَابُ كَيْفَ التَّيَمُّمُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ الصِّمَّةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَعْقُولٌ: إذَا كَانَ التَّيَمُّمُ بَدَلًا مِنْ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ أَنْ يُؤْتَى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى مَا يُؤْتَى بِالْوُضُوءِ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذَا ذَكَرَهُمَا فَقَدْ عَفَا فِي التَّيَمُّمِ عَمَّا سِوَاهُمَا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الرَّجُلُ إلَّا أَنْ يُيَمِّمَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَكُونُ الْمِرْفَقَانِ فِيمَا يُيَمِّمُ فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ هَذَا لَمْ يُمِرَّ عَلَيْهِ التُّرَابَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُيَمِّمَهُ وَإِنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يُيَمِّمَهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِثْلَ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ كُلُّ مَا أَدْرَكَهُ الطَّرَفُ مِنْهُ أَوْ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ تَرَكَهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ طَرَفُهُ وَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ تَرَكَ شَيْئًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ وَإِعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ أَنْ يُعِيدَهُ (قَالَ): وَإِذَا رَأَى أَنْ قَدْ أَمَسَّ يَدَيْهِ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَلَمْ يُبْقِ شَيْئًا أَجْزَأَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَضْرِبَ ضَرْبَةً لِوَجْهِهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَضْرِبَهَا بِيَدَيْهِ مَعًا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ضَرْبِهَا بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى جَمِيعِ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَهَا بِبَعْضِ يَدَيْهِ إنَّمَا أَنْظُرُ مِنْ هَذَا إلَى أَنْ يُمِرَّهَا عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ إنْ ضَرَبَ التُّرَابَ بِشَيْءٍ فَأَخَذَ الْغُبَارَ مِنْ أَدَاتِهِ غَيْرَ يَدَيْهِ ثُمَّ أَمَرَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَكَذَلِكَ إنْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وَإِنْ سَفَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ تُرَابًا عَمَّهُ فَأَمَرَّ مَا عَلَى وَجْهِهِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِوَجْهِهِ وَلَوْ أَخَذَ مَا عَلَى رَأْسِهِ لِوَجْهِهِ فَأَمَرَّهُ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ مَا عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ غَيْرِ وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ مَعًا لِذِرَاعَيْهِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ إذَا يَمَّمَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْسَحَ يَدًا إلَّا بِالْيَدِ الَّتِي تُخَالِفُهَا فَيَمْسَحَ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى وَالْيُسْرَى بِالْيُمْنَى (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ بِالتُّرَابِ وَيَتَتَبَّعُ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ بِالتُّرَابِ كَمَا يَتَتَبَّعُهَا بِالْمَاءِ (قَالَ): وَكَيْفَمَا جَاءَ بِالْغُبَارِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ أَجْزَأَهُ أَوْ أَتَى بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute