فِي تَدْبِيرِ الرَّقِيقِ بَعْضِهِمْ قَبْلَ بَعْضٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِذَا دَبَّرَ الرَّجُلُ فِي صِحَّتِهِ رَقِيقًا، أَوْ بَعْضَهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ وَفِي مَرَضِهِ آخَرِينَ كَذَلِكَ وَأَوْصَى بِعِتْقِ آخَرِينَ بِأَعْيَانِهِمْ فَلَا يُبَدَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى وَاحِدٍ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ صَحِيحًا وَلِآخَرَ مَرِيضًا لَمْ يَبْدَأْ قَدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى حَدِيثِهَا؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ أَوْقَعَهُ لَهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكَانُوا إنَّمَا يُدْلُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعًا بِحُجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَاقِعَةٌ لَهُمْ يَوْمَ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ، فَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الثُّلُثِ عَتَقُوا مَعًا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَأُعْتِقَ مَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْعِتْقِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ ثُلُثَ الْمَيِّتِ قِيَاسًا عَلَى الَّذِينَ أَقْرَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ حِينَ أَعْتَقَهُمْ الْمَرِيضُ فَأَعْتَقَ ثُلُثَ الْمَيِّتِ وَأَرَقَّ ثُلُثَيْ الْوَرَثَةِ.
الْخِلَافُ فِي التَّدْبِيرِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ وَأَجْرَى فِي الْمُدَبَّرِ خِلَافًا سَأَحْكِي بَعْضَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ اعْتَمَدْت فِي قَوْلِك: الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهِ صَاحِبُهُ مَتَى شَاءَ؟ قُلْت: عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي قَطَعَ اللَّهُ بِهَا عُذْرَ مَنْ عَلِمَهَا: قَالَ فَعِنْدَنَا فِيهِ حُجَّةٌ، قُلْنَا: فَاذْكُرْهَا. قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِكُمْ بَاعَهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ صَاحِبُهُ بَيْعَهُ؟ قُلْت: الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَبِيعُ عَلَى أَحَدٍ مَالَهُ إلَّا فِيمَا لَزِمَهُ أَوْ بِأَمْرِهِ؟ قَالَ: فَبِأَيِّهِمَا بَاعَهُ؟ قُلْت: أَمَّا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ الْحَدِيثِ فِي دَفْعِهِ إيَّاهُ إلَى صَاحِبِهِ الَّذِي دَبَّرَهُ فَإِنَّهُ دَبَّرَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ حِينَ دَبَّرَهُ وَكَانَ يُرِيدُ بَيْعَهُ إمَّا مُحْتَاجًا وَإِمَّا غَيْرَ مُحْتَاجٍ، فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَذَكَر النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاعَهُ، وَكَانَ فِي بَيْعِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ لَهُ إذَا شَاءَ، وَأَمَرَهُ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ فَيُمْسِكَ عَلَيْهَا يَرَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى النَّاسِ، قَالَ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لَهُ: مَا رَوَى هَذَا أَحَدٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ فِيمَا عَلِمْت يَثْبُتُ حَدِيثُهُ، وَلَوْ رَوَاهُ مَنْ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ مَا كَانَ لَك فِيهِ حُجَّةٌ مِنْ وُجُوهٍ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْت: أَنْتَ لَا تُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ تُثْبِتُ الْمُنْقَطِعَ يُخَالِفُهُ الْمُتَّصِلُ الثَّابِتُ؟ قَالَ: فَهَلْ يُخَالِفُهُ؟ قُلْت: لَيْسَ بِحَدِيثٍ، وَأَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ فَأَذْكُرُهُ عَلَى مَا فِيهِ، قَالَ: لَوْ ثَبَتَ كَانَ يَجُوزُ أَنْ أَقُولَ: بَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَبَةَ مُدَبَّرٍ كَمَا حَدَّثَ جَابِرٌ وَخِدْمَةَ مُدَبَّرٍ كَمَا حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قُلْت: إنَّهُ يُخَالِفُهُ، قُلْت: هُوَ أَدَلُّ لَك عَلَى أَنَّ حَدِيثَك حُجَّةٌ عَلَيْك، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قُلْت: إنْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ لِلْمُدَبَّرِ الَّذِي رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ رَقَبَتَهُ إنَّمَا بَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِدْمَتَهُ كَمَا قُلْت فَغَلِطَ مَنْ قَالَ بَاعَ رَقَبَتَهُ بِمَا بَيْنَ الْخِدْمَةِ وَالرَّقَبَةِ كُنْت خَالَفْت حَدِيثَنَا وَحَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْت: أَتَقُولُ: إنَّ بَيْعَهُ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ، قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهَا غَرَرٌ فَقُلْت: فَقَدْ خَالَفْت مَا رَوَيْت عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَلَعَلَّهُ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ قُلْت: جَابِرٌ سَمَّى بَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نُعَيْمٍ النَّحَّامِ، وَيَقُولُ: عَبْدٌ قِبْطِيٌّ يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ مَاتَ عَامَ أَوَّلٍ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَكَيْفَ يُوهَمُ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ؟ وَقُلْت لَهُ: رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» فَقُلْت: مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَاهُ مَعَهُ عَدَدٌ فَطَرَحْته وَرِوَايَتُهُ يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا عَدَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute