بَابُ ذَبَائِحِ بَنِي إسْرَائِيلَ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} الْآيَةَ وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - طَيِّبَاتٍ كَانَتْ أُحِلَّتْ لَهُمْ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} إلَى قَوْلِهِ " لَصَادِقُونَ ".
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الْحَوَايَا مَا حَوَى الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فِي الْبَطْنِ، فَلَمْ يَزَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ - الْيَهُودِ خَاصَّةً، وَغَيْرِهِمْ عَامَّةً - مُحَرَّمًا مِنْ حِينِ حَرَّمَهُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ، وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَاعَةِ أَمْرِهِ، وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَتُهُ، وَأَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ الَّذِي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ. وَجَعَلَ مَنْ أَدْرَكَهُ وَعَلِمَ دِينَهُ فَلَمْ يَتَّبِعْهُ كَافِرًا بِهِ فَقَالَ {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} فَكَانَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، وَأَنْزَلَ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} إلَى قَوْلِهِ {مُسْلِمُونَ} وَأُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ إنْ لَمْ يُسْلِمُوا، وَأَنْزَلَ فِيهِمْ {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} إلَى قَوْلِهِ {وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} فَقِيلَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَوْزَارَهُمْ وَمَا مَنَعُوا بِمَا أَحْدَثُوا قَبْلَ مَا شُرِعَ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ - مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابِيٌّ وَلَا وَثَنِيٌّ وَلَا حَيٌّ ذُو رُوحٍ، مِنْ جِنٍّ وَلَا إنْسٍ - بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِاتِّبَاعِ دِينِهِ، وَكَانَ مُؤْمِنًا بِاتِّبَاعِهِ وَكَافِرًا بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ، وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ آمَنَ بِهِ أَوْ كَفَرَ، تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُبَاحًا قَبْلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمِلَلِ وَأَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَدْ وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ مِنْهَا ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ وَفِي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، مِمَّا كَانَ حَرُمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى مِنْ شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ لِنَفْسِهِ وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ شَحْمِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا مِنْ جِهَةِ الذَّكَاةِ لِأَحَدٍ، حَرَامًا عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ مَا ذَكَرَ عَامًّا لَا خَاصًّا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَلْ يَحْرُمُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذِهِ الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ. وَقَدْ نُسِخَ مَا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِينِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ، إنْ كَانَتْ الْخَمْرُ حَلَالًا لَهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ، إذْ حُرِّمَتْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِهِ.
مَا حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): حَرَّمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَشْيَاءَ أَبَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَرَامًا بِتَحْرِيمِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ. كَانُوا يَتْرُكُونَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَالْعِتْقِ، فَيُحَرِّمُونَ أَلْبَانَهَا وَلُحُومَهَا وَمِلْكَهَا، وَقَدْ فَسَّرْته
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute