جِمَاعُ مَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ إذَا كَانَ ظَاهِرًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): «أَقَرَّ مَاعِزٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالزِّنَا فَرَجَمَهُ»، «وَأَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ بِالزِّنَا فَارْجُمْهَا».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى مَا وَصَفْت مِنْ حُكْمِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّ لِلْمَرْءِ وَعَلَيْهِ مَا أَظْهَرَ مِنْ الْقَوْلِ، وَأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَمَنْ أَقَرَّ مِنْ الْبَالِغِينَ غَيْرِ الْمَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِهِ عُقُوبَةٌ فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ قَتْلٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَطْعٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا مَحْجُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْفَرْضُ فِي بَدَنِهِ، وَلَا يَسْقُطُ إقْرَارُهُ عَنْهُ فِيمَا لَزِمَهُ فِي بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ لَا بَدَنِهِ، وَلَا عَنْ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ مَالًا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ عَلَى بَدَنِهِ بِشَيْءٍ يَلْزَمُهُ بِالْفَرْضِ كَمَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ سَمِعْت مِنْهُ مِمَّنْ أَرْضَى خِلَافًا وَقَدْ أَمَرَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِعَبْدٍ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ فَقُطِعَ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْحَدُّ لِلَّهِ أَوْ بِشَيْءٍ أَوْجَبَهُ اللَّهُ لِآدَمِيٍّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْحُرَّانِ الْبَالِغَانِ غَيْرُ الْمَحْجُورَيْنِ فِي أَمْوَالِهِمَا بِأَيِّ وَجْهٍ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُمَا كَمَا أَقَرَّا بِهِ، وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْحُرَّانِ الْمَحْجُورَانِ فِي أَمْوَالِهِمَا لَمْ يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي حَالِ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ فِي الْحُكْمِ فِي الدُّنْيَا وَيَلْزَمُهُمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - تَأْدِيَتُهُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْحَجْرِ إلَى مَنْ أَقَرَّا لَهُ بِهِ وَسَوَاءٌ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ إذَا كَانَ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَمْوَالُهُمَا بِحَالٍ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّا بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أَوْ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ فَكُلُّ ذَلِكَ سَاقِطٌ عَنْهُمَا فِي الْحُكْمِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَقَرَّا بِعَمْدٍ فِيهِ قِصَاصٌ لَزِمَهُمَا وَلِوَلِيِّ الْقِصَاصِ إنْ شَاءَ الْقِصَاصُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ عَلَيْهِمَا فَرْضًا فِي أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الْقِصَاصَ فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ الْقِصَاصَ دَلَّ عَلَى أَنَّ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ أَنْ يَعْفُوَ الْقِصَاصَ وَيَأْخُذَ الْعَقْلَ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فَلَزِمَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمَا الْبَالِغَيْنِ مَا أَقَرَّا بِهِ وَكَانَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْخِيَارُ فِي الْقِصَاصِ وَعَفْوِهِ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مَكَانَهُ. وَهَكَذَا الْعَبْدُ الْبَالِغُ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ نَفْسٍ فِيهَا قِصَاصٌ فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَوْ الْمَجْرُوحِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ أَوْ يَعْفُوَ الْقِصَاصَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَقْلُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَالًا لِلسَّيِّدِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فِيهَا أَوْ خَطَأً لَمْ يَلْزَمْهُ فِي حَالِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْهَا شَيْءٌ وَيَلْزَمُهُ إذَا عَتَقَ يَوْمًا مَا فِي مَالِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْمَحْجُورَانِ مِنْ غَصْبٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ بَطَلَ عَنْهُمَا مَعًا فَيَبْطُلُ عَنْ الْمَحْجُورَيْنِ الْحُرَّيْنِ بِكُلِّ حَالٍ وَيَبْطُلُ عَنْ الْعَبْدِ فِي حَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَيَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا إذَا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْطَلْتُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي حَالِ الْعُبُودِيَّةِ لَا مِنْ جِهَةِ حَجْرِي عَلَى الْحُرِّ فِي مَالِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَسَوَاءٌ مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرُ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهَا، وَالْعَاقِلُ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْمُقَصِّرُ إذَا كَانَ بَالِغًا غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مَا أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ وَأُذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ التِّجَارَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَقَرَّ الْحُرَّانِ الْمَحْجُورَانِ وَالْعَبْدُ بِسَرِقَةٍ فِي مِثْلِهَا الْقَطْعُ قُطِعُوا مَعًا، وَلَزِمَ الْحُرَّيْنِ غُرْمُ السَّرِقَةِ فِي أَمْوَالِهِمَا، وَالْعَبْدُ فِي عُنُقِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ بَطَلَتْ الْغُرْمُ عَنْ الْمَحْجُورَيْنِ لِلْحَجْرِ وَالْعَبْدِ لِأَنَّهُ يُقِرُّ فِي رَقَبَتِهِ لَمْ أَقْطَعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ إلَّا مَعًا، وَلَا يَحِقَّانِ إلَّا