عَايَنَهُ الْحَاكِمُ فَرَآهُ ذَكَرًا قَضَى لَهُ بِأَرْشِ ذَكَرٍ وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ كَمَا تُقْبَلُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ مَا أَدْرَكَ الْحَاكِمُ عِيَانَهُ وَأَدْرَكَهُ الشُّهُودُ وَكَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ يَوْمَ يَشْهَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَتَّى يَكُونَ يُمْكِنُ الْحَاكِمُ أَنْ يَبْتَدِئَ أَنْ يُرِيَهُ الشُّهُودَ فَيَشْهَدُونَ مِنْهُ عَلَى عِيَانٍ ثُمَّ آخَرِينَ بَعْدُ فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَاتُهُمْ عَلَيْهِ وَيُدْرِكُ الْحَاكِمُ الْعِيَانَ فِيهِ كَشَهَادَةٍ فِي أَمْرٍ غَائِبٍ عَنْ الْحَاكِمِ لَا يُدْرِكُ فِيهِ مِثْلَ هَذَا وَلَا يَشْهَدُ مِنْهَا إلَّا عَلَى أَمْرٍ مُنْقِضٍ لَا يَسْتَأْنِفُ الشُّهُودُ عِلْمَهُ وَلَا غَيْرُهُمْ.
دِيَةُ الْجَنِينِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ» أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِي قَضَى عَلَيْهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ» أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَالْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا»، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَذْكَرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ شَيْئًا فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ «كُنْت بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمُسَطَّحٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِغُرَّةٍ» فَقَالَ عُمَرُ " إنْ كِدْنَا أَنْ نَقْضِيَ فِي مِثْلِ هَذَا بِآرَائِنَا ".
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فِي الْجَنِينِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَإِذَا كَانَ الْجَنِينُ حُرًّا مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ هُمَا فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ فَإِنْ كَانَ جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ مِنْ مُشْرِكٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا أَوْ جَنِينَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ لَقِيطٍ مِنْ زَوْجٍ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ زِنًا فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ؛ لِإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ وَحُرِّيَّتِهَا، وَكَذَلِكَ جَنِينُ الْأَمَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا بِمِلْكٍ صَحِيحٍ أَوْ مِلْكٍ فَاسِدٍ أَوْ يَمْلِكُ شِقْصًا مِنْهَا، وَكَذَلِكَ جَنِينُ الْأَمَةِ يَنْكِحُهَا وَيَغُرُّ بِأَنَّهَا حُرَّةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ سَمَّيْت لَا يُرَقُّ بِحَالٍ وَمَا قُلْت لَا يُرَقُّ بِحَالٍ فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ، وَأَيُّ جَنِينٍ جَعَلْته مُسْلِمًا بِكُلِّ حَالٍ بِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ جَعَلْته جَنِينَ مُسْلِمٍ.
وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ السِّقْطُ جَنِينًا فِيهِ غُرَّةٌ أَنْ يَتَبَيَّنَ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ يُفَارِقُ الْمُضْغَةَ أَوْ الْعَلَقَةَ أُصْبُعٌ أَوْ ظُفْرٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ مَا بَانَ مِنْ خَلْقِ ابْنِ آدَمَ سِوَى هَذَا كُلِّهِ فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ جَنَى جَانٍ عَلَى امْرَأَةٍ فَجَاءَتْ مَكَانَهَا أَوْ بَعْدُ بِجَنِينٍ فَقَالَتْ هَذَا الَّذِي أَلْقَيْت وَأَنْكَرَ الْجَانِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْجِنَايَةُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِأَنَّهَا أَلْقَتْ هَذَا أَوْ أَلْقَتْ جَنِينًا فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهَا أَلْقَتْ شَيْئًا وَلَمْ يُثْبِتُوا الشَّيْءَ وَجَاءَتْ بِجَنِينٍ فَقَالَتْ: هَذَا هُوَ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَلْقَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي عَلَيْهَا مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَلْقَتْهُ فَدَفَنَتْهُ وَلَمْ تُثْبِتْهُ الشُّهُودُ جَنِينًا بِأَنْ يَتَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ آدَمِيٍّ وَلَمْ تَخْتَلِفْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ عَنْ الْجَنِينِ ذَكَرٌ هُوَ أَوْ أُنْثَى فَإِذَا أَلْقَتْهُ الْمَرْأَةُ مَيِّتًا فَسَوَاءٌ ذُكْرَانُ الْأَجِنَّةِ وَإِنَاثُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute