للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا إذَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ عَامٌّ إلَّا بِدَلَالَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ فِعْلِهِ خَاصًّا حَتَّى تَأْتِيَنَا الدَّلَالَةُ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَنَّهُ خَاصٌّ وَإِلَّا اكْتَفَيْنَا بِالْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّنْ بَعْدَهُ كَمَا قُلْنَا فِيمَا قَبْلَهُ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَاتِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» فَأَخَذْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهَذَا وَخَالَفَنَا فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» لَمْ يُخَصِّصْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالًا دُونَ مَالٍ وَلَمْ يُخَصِّصْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَالًا دُونَ مَالٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ، وَالْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا يَكُونُ مَالٌ فِيهِ صَدَقَةٌ، وَآخَرُ لَا صَدَقَةَ فِيهِ، وَكُلُّ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ حُزْمَةَ بَقْلٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ إذْ أَبَانَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ الْأَمْوَالِ دُونَ مَا لَمْ يَرِدْ، وَالْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ جُمْلَةً وَالْمُفَسِّرُ يَدُلُّ عَلَى الْجُمْلَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ سَمِعْت مَنْ يَحْتَجُّ عَنْهُ فَيَقُولُ كَلَامًا يُرِيدُ بِهِ قَدْ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأَخَذُوا الصَّدَقَاتِ فِي الْبُلْدَانِ أَخْذًا عَامًّا وَزَمَانًا طَوِيلًا فَمَا رُوِيَ عَنْهُمْ وَلَا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ قَالَ: وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُهُودٌ مَا هَذَا فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِ أَنَّ الْمُحَدِّثَ بِهِ لَمَّا كَانَ ثِقَةً اُكْتُفِيَ بِخَبَرِهِ وَلَمْ نَرُدَّهُ بِتَأْوِيلٍ وَلَا بِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَلَا بِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِثْلَهُ اكْتِفَاءً بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا دُونَهَا وَبِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً بَيِّنَةً لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا تَأْوِيلُ كِتَابٍ إذْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمُ بِمَعْنَى الْكِتَابِ، وَلَا تَأْوِيلُ حَدِيثٍ جُمْلَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُوَافِقَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنْصُوصَ وَيُخَالِفَهُ، وَكَانَ إذَا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُ، وَلَا يَكُونَ مُخَالِفًا فِيهِ وَلَمْ يُوهِنْهُ أَنْ لَمْ يَرْوِهِ إلَّا وَاحِدٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ ثِقَةً.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» فَقُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِهَذَا، وَقُلْنَا: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ بَاعَ نَخْلًا لَمْ تُؤَبَّرْ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا فَقَالَ: إذَا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالثَّمَرَةِ إذَا أُبِّرَتْ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ عَلِمْنَاهُ إذَا أَبَّرَ فَقَدْ زَايَلَ أَنْ يَكُونَ مَغِيبًا فِي شَجَرِهِ لَمْ يَظْهَرْ كَمَا يَكُونُ الْحَمْلُ مَغِيبًا لَمْ يَظْهَرْ، وَكَذَلِكَ إذَا زَايَلَهَا وَإِنْ لَمْ يُؤَبِّرْ فَهُوَ لِلْبَائِعِ وَقَالَ: هَكَذَا تَقُولُونَ فِي الْأَمَةِ تُبَاعُ حَامِلًا حَمْلُهَا لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا فَارَقَهَا فَوَلَدُهَا لِلْبَائِعِ وَالثَّمَرُ إذَا خَرَجَ مِنْ النَّخْلَةِ فَقَدْ فَارَقَهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَكَانَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْهِمْ أَنْ قُلْنَا: إنَّ الثَّمَرَةَ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ اتَّبَعْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَمَرَ بِهِ، وَلَمْ نَجْعَلْ أَحَدَهُمَا قِيَاسًا عَلَى الْآخَرِ وَنُسَوِّي بَيْنَهُمَا إنْ ظَهَرَا فِيهَا وَلَمْ نَقِسْهُمَا عَلَى وَلَدِ الْأَمَةِ، وَلَا نَقِيسُ سُنَّةً عَلَى سُنَّةٍ، وَلَكِنْ نُمْضِي كُلَّ سُنَّةٍ عَلَى وَجْهِهَا مَا وَجَدْنَا السَّبِيلَ إلَى إمْضَائِهَا وَلَمْ نُوهِنْ هَذَا الْحَدِيثَ بِقِيَاسٍ وَلَا شَيْءٍ مِمَّا وَصَفْت وَلَا بِأَنْ اجْتَمَعَ هَذَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُرْوَ فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيٍّ قَوْلٌ وَلَا حُكْمٌ وَلَا أَمْرٌ يُوَافِقُهُ وَاسْتَغْنَيْنَا بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ عَمَّا سِوَاهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>