أَتْلَفَ ذَلِكَ فَأْتِهِ يَوْمًا يَوْمًا وَأْمُرْهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِكِسْوَتِهِ فَإِنْ أَتْلَفَهَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَهُ فِي إتْلَافِهَا وَيُخِيفَهُ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْمُرَ أَنْ يُكْسَى أَقَلَّ مَا يَكْفِيهِ فِي الْبَيْتِ مِمَّا لَا يَخْرُجُ فِيهِ، فَإِذَا رَأَى أَنْ قَدْ أَدَّبَهُ أَمَرَ بِكِسْوَتِهِ مَا يَخْرُجُ فِيهِ وَيُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ إنْ زَوَّجَهُ وَخَادِمٍ إنْ كَانَتْ لَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَكْسُوهَا، وَكَذَلِكَ يُنْفِقُ عَلَى جَارِيَتِهِ إنْ اشْتَرَاهَا لَهُ لِيَطَأَهَا، وَلَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ لَهُ امْرَأَتَيْنِ وَلَا جَارِيَتَيْنِ لِلْوَطْءِ، وَإِنْ اتَّسَعَ مَالُهُ لِأَنَّا إنَّمَا نُعْطِيهِ مِنْهُ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِمَّا يُخْرِجُ مِنْ حَدِّ الضِّيقِ وَلَيْسَ بِامْرَأَةٍ، وَلَا جَارِيَةٍ لِوَطْءٍ ضِيقٌ إلَّا أَنْ تَسْقَمَ أَيَّتُهُمَا كَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهَا مَوْضِعٌ لِلْوَطْءِ فَيَنْكِحَ، أَوْ يَتَسَرَّى إذَا كَانَ مَالُهُ مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ، وَهَذَا مَا لَا صَلَاحَ لَهُ إلَّا بِهِ إنْ كَانَ يَأْتِي النِّسَاءَ فَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ حَصُورًا فَأَرَادَ جَارِيَةً يَتَلَذَّذُ بِهَا لَمْ تُشْتَرَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ جَارِيَةً لِلْخِدْمَةِ اُشْتُرِيَتْ لَهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا تَلَذَّذَ بِهَا، وَإِنْ أَرَادَ امْرَأَةً لَمْ يُزَوَّجْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَإِذَا زُوِّجَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فَأَكْثَرَ طَلَاقَهَا أَحْبَبْت أَنْ يَتَسَرَّى فَإِنْ أَعْتَقَ فَالْعِتْقُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ.
الْوَصِيَّةُ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: هَذَا كِتَابٌ كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ الْعَبَّاسِ الشَّافِعِيُّ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَشْهَدَ اللَّهَ عَالَمَ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَكَفَى بِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَهِيدًا، ثُمَّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَزَلْ يَدِينُ بِذَلِكَ وَبِهِ يَدِينُ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَيَبْعَثُهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنَّهُ يُوصِي نَفْسَهُ وَجَمَاعَةَ مَنْ سَمِعَ وَصِيَّتَهُ بِإِحْلَالِ مَا أَحِلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ فِي السُّنَّةِ وَأَنْ لَا يُجَاوِزَ مِنْ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ تَرْكُ رِضَا اللَّهِ وَتَرْكَ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَهُمَا مِنْ الْمُحَدِّثَاتِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْكَفِّ عَنْ مَحَارِمِهِ خَوْفًا لِلَّهِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} وَأَنْ تُنْزِلَ الدُّنْيَا حَيْثُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهَا دَارَ مَقَامٍ إلَّا مَقَامَ مُدَّةٍ عَاجِلَةِ الِانْقِطَاعِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا دَارَ عَمَلٍ وَجَعَلَ الْآخِرَةَ دَارَ قَرَارٍ وَجَزَاءٍ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ، أَوْ شَرٍّ إنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَأَنْ لَا يُخَالَّ أَحَدًا إلَّا أَحَدًا خَالَّهُ لِلَّهِ فَمَنْ يَفْعَلْ الْخُلَّةَ فِي اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - وَيُرْجَى مِنْهُ إفَادَةَ عِلْمٍ فِي دِينٍ وَحُسْنِ أَدَبٍ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ زَمَانَهُ وَيَرْغَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي الْخَلَاصِ مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ فِيهِ، وَيُمْسِكَ عَنْ الْإِسْرَافِ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ فِي أَمْرٍ لَا يَلْزَمُهُ وَأَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا قَالَ: وَعَمِلَ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْفِيهِ مِمَّا سِوَاهُ، وَلَا يَكْفِي مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَأَوْصَى مَتَى حَدَثَ بِهِ حَادِثُ الْمَوْتِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَنْ خَلْقِهِ الَّذِي أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَوْنَ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا بَعْدَهُ وَكِفَايَةَ كُلِّ هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ، وَلَمْ يُغَيِّرْ وَصِيَّتَهُ هَذِهِ، أَنْ يَلِيَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ النَّظَرَ فِي أَمْرِ ثَابِتٍ الْخَصِيِّ الْأَقْرَعِ الَّذِي خَلَفَ بِمَكَّةَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُفْسِدٍ فِيمَا خَلَّفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ فِيهِ أَعْتَقَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ فَإِنْ حَدَثَ بِأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَثٌ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ بَعْدَ أَحْمَدَ فَأَنْفَذَ فِيهِ مَا جُعِلَ إلَى أَحْمَدَ وَأَوْصَى أَنَّ جَارِيَتَهُ الْأَنْدَلُسِيَّةَ الَّتِي تُدْعَى فَوْزُ الَّتِي تُرْضِعُ ابْنَهُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ إذَا اسْتَكْمَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ سَنَتَيْنِ وَاسْتَغْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute