للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْبَغَى أَنْ يُدْخِلُوا مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ مَعَ غُرَمَائِهِ، وَكَذَلِكَ يُخْرِجُونَ مِنْ يَدَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ كَمَا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ بِالْمَرِيضِ يُقِرُّ ثُمَّ يَمُوتُ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاعَ لِمَنْ حَلَّ دَيْنُهُ وَيُؤَخِّرَ الَّذِينَ دُيُونُهُمْ مُتَأَخِّرَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ: وَمَا كَانَ لِلْمَيِّتِ مِنْ دَيْنٍ عَلَى النَّاسِ فَهُوَ إلَى أَجَلِهِ لَا يَحِلُّ مَالُهُ بِمَوْتِهِ، وَلَا بِتَفْلِيسِهِ. .

بَابُ مَا جَاءَ فِي حَبْسِ الْمُفْلِسِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَالٌ يُرَى فِي يَدَيْهِ وَيَظْهَرُ مِنْهُ شَيْءٌ ثُمَّ قَامَ أَهْلُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَأَثْبَتُوا حُقُوقَهُمْ فَإِنْ أَخْرَجَ مَالًا أَوْ وُجِدَ لَهُ ظَاهِرٌ يَبْلُغُ حُقُوقَهُمْ أُعْطُوا حُقُوقَهُمْ، وَلَمْ يُحْبَسْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يَبْلُغُ حُقُوقَهُمْ حُبِسَ وَبِيعَ فِي مَالِهِ مَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنْ ذَكَرَ حَاجَةً دَعَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا وَأَقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَاجَةِ وَأَنْ لَا شَيْءَ لَهُ إذَا كَانُوا عُدُولًا خَابِرِينَ بِهِ قَبْلَ الْحَبْسِ، وَلَا أَحْبِسُهُ وَيَوْمَ أَحْبِسُهُ وَبَعْدَ مُدَّةٍ أَقَامَهَا فِي الْحَبْسِ وَأُحَلِّفُهُ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِاَللَّهِ مَا يَمْلِكُ، وَلَا يَجِدُ لِغُرَمَائِهِ قَضَاءً فِي نَقْدٍ، وَلَا عَرَضٍ، وَلَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ أُخَلِّيهِ وَأَمْنَعُ غُرَمَاءَهُ مِنْ لُزُومِهِ إذَا خَلَّيْتُهُ ثُمَّ لَا أُعِيدُهُ لَهُمْ إلَى حَبْسٍ حَتَّى يَأْتُوا بِبَيِّنَةٍ أَنْ قَدْ أَفَادَ مَالًا فَإِنْ جَاءُوا بِبَيِّنَةٍ أَنْ قَدْ رُئِيَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ سَأَلْتُهُ فَإِنْ قَالَ مَالُ مُضَارَبَةٍ لَمْ أَعْمَلْ فِيهِ أَوْ عَمِلْتُ فِيهِ فَلَمْ يَنِضَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِي فِيهِ فَضْلٌ قَبِلْت ذَلِكَ مِنْهُ وَأَحْلَفْتُهُ إنْ شَاءُوا، وَإِنْ جَحَدَ حَبَسْتُهُ أَيْضًا حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ كَمَا جَاءَ بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَأَحْلَفْتُهُ كَمَا أَحَلَفْته فِيهَا، وَلَا أُحَلِّفُهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَبْسَتَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ وَأَسْأَلُ عَنْهُ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِهِ فَيُخْبِرُونِي بِحَاجَتِهِ، وَلَا غَايَةَ لِحَبْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْكَشْفِ عَنْهُ فَمَتَى اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَا وَصَفْتُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغْفِلَ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ.

قَالَ وَجَمِيعُ مَا لَزِمَهُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ سَوَاءٌ مِنْ جِنَايَةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ تَعَدٍّ أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يُحَاصُّونَ فِي مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ مَالٌ بِعَيْنِهِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ، وَلَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَلَا يُؤْخَذُ الْحُرُّ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ، وَلَا يُحْبَسُ إذَا عُرِفَ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} وَإِذَا حُبِسَ الْغَرِيمُ وَفَلِسَ وَأُحْلِفَ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ حَبْسٌ، وَلَا يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ لَهُ يُسْرٌ بَعْدَ الْحَبْسِ فَيُحْبَسُ لِلثَّانِي وَالْأَوَّلِ، وَإِذَا حُبِسَ وَأُحْلِفَ وَفَلِسَ وَخُلِّيَ ثُمَّ أَفَادَ مَالًا جَازَ لَهُ فِيمَا أَفَادَ مَا صَنَعَ مِنْ عِتْقٍ وَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ السُّلْطَانُ وَقْفًا آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ وَقْفًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ، وَإِنَّمَا وَقَفَ لِيَمْنَعَهُ مَالَهُ وَيَقْسِمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَمَا أَفَادَ آخَرَ فَلَا وَقْفَ عَلَيْهِ.

وَإِذَا فَلِسَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ عُرُوضٌ مَوْصُوفَةٌ وَعَيْنٌ مِنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَجِنَايَةٍ وَمَهْرِ امْرَأَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَزِمَهُ بِوَجْهٍ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ يُحَاصُّ أَهْلَ الْعُرُوضِ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ يُفْلِسُ فَمَا أَصَابَهُمْ اشْتَرَى لَهُمْ بِهِ عَرَضًا مِنْ شَرْطِهِمْ فَإِنْ اسْتَوْفُوا حُقُوقَهُمْ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفُوا أَوْ اسْتَوْفُوا أَنْصَافَهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ مَالٌ آخَرُ فَلِأَهْلِ الْعُرُوضِ أَنْ يُقَوَّمَ لَهُمْ مَا بَقِيَ مِنْ عُرُوضِهِمْ عِنْدَ التَّفْلِيسَةِ الثَّانِيَةِ فَيَشْتَرِي لَهُمْ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا عُرُوضَهُمْ إذَا وَجَدُوا لَهُ مَالًا وَبَعْضَهَا إذَا لَمْ يَجِدُوا كُلَّهَا إذَا وَجَدُوهُ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِلَافِ فِي التَّفْلِيسِ

قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: هَلْ خَالَفَك أَحَدٌ فِي التَّفْلِيسِ؟ فَقَالَ نَعَمْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي التَّفْلِيسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>