نِكَاحٍ فَأَرْضَعَ بِهِ صَبِيًّا حَرَّمَ كَمَا تُحَرِّمُ الْمَرْأَةُ إذَا أَرْضَعَتْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا كَانَ مُشْكِلًا فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَأَيَّهُمَا نَكَحَ بِهِ لَمْ أُجِزْ لَهُ غَيْرَهُ وَلَمْ أَجْعَلْهُ يَنْكِحُ بِالْآخَرِ. .
بَابُ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} الْآيَةُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبُلُوغُ الْكِتَابِ أَجَلَهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ قَالَ فَبَيَّنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ خَلْقِهِ بَيْنَ أَسْبَابِ الْأُمُورِ وَعَقَدِ الْأُمُورِ وَبَيْنَ إذْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهُ بَيْنَهُمَا أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَأَنْ لَا يَفْسُدَ أَمْرٌ بِفَسَادِ السَّبَبِ إذَا كَانَ عَقْدُ الْأَمْرِ صَحِيحًا وَلَا بِالنِّيَّةِ فِي الْأَمْرِ وَلَا تَفْسُدُ الْأُمُورُ إلَّا بِفَسَادٍ إنْ كَانَ فِي عَقْدِهَا لَا بِغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ أَنْ يُعْقَدَ النِّكَاحُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَلَمْ يُحَرِّمْ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ وَلَا أَنْ يَذْكُرَهَا وَيَنْوِيَ نِكَاحَهَا بِالْخِطْبَةِ لَهَا، وَالذِّكْرُ لَهَا وَالنِّيَّةُ فِي نِكَاحِهَا سَبَبُ النِّكَاحِ وَبِهَذَا أَجَزْنَا الْأُمُورَ بِعَقْدِهَا إنْ كَانَ جَائِزًا وَرَدَدْنَاهَا بِهِ إنْ كَانَ مَرْدُودًا وَلَمْ نَسْتَعْمِلْ أَسْبَابَ الْأُمُورِ فِي الْأَحْكَامِ بِحَالٍ فَأَجَزْنَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ لَا يَنْوِي حَبْسَهَا إلَّا يَوْمًا وَلَا تَنْوِي هِيَ إلَّا هُوَ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَاطَآ عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي شَرْطِ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ قُلْنَا فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا إلَّا بِنِيَّةِ طَلَاقٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ غَضَبٍ أَوْ بَعْدَهُ وَإِذْ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ حَظَرَ التَّصْرِيحَ فِيهَا وَخَالَفَ بَيْنَ حُكْمِ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ وَبِذَلِكَ قُلْنَا لَا نَجْعَلُ التَّعْرِيضَ أَبَدًا يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُعَرِّضُ التَّصْرِيحَ وَجَعَلْنَاهُ فِيمَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ مِنْ النِّيَّةِ وَغَيْرِهِ فَقُلْنَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِإِرَادَتِهِ وَقُلْنَا لَا نَجِدُ أَحَدًا فِي تَعْرِيضٍ إلَّا بِإِرَادَةِ التَّصْرِيحِ بِالْقَذْفِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جِمَاعًا {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} قَوْلًا حَسَنًا لَا فُحْشَ فِيهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: رَضِيتُك إنَّ عِنْدِي لَجِمَاعًا حَسَنًا يُرْضِي مَنْ جُومِعَهُ فَكَانَ هَذَا وَإِنْ كَانَ تَعْرِيضًا مَنْهِيًّا عَنْهُ لِقُبْحِهِ وَمَا عَرَّضَ بِهِ مِمَّا سِوَى هَذَا مِمَّا يُفْهِمُ الْمَرْأَةَ بِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا فَجَائِزٌ لَهُ وَكَذَلِكَ التَّعْرِيضُ بِالْإِجَابَةِ لَهُ جَائِزٌ لَهَا لَا يَحْظُرُ عَلَيْهَا مِنْ التَّعْرِيضِ شَيْءٌ يُبَاحُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ شَيْءٌ يُبَاحُ لَهَا وَإِنْ صَرَّحَ لَهَا بِالْخِطْبَةِ وَصَرَّحَتْ لَهُ بِالْإِجَابَةِ أَوْ لَمْ تُصَرِّحْ وَلَمْ يَعْقِدْ النِّكَاحَ فِي الْحَالَيْنِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالتَّصْرِيحُ لَهُمَا مَعًا مَكْرُوهٌ وَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ بِالسَّبَبِ غَيْرِ الْمُبَاحِ مِنْ التَّصْرِيحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ بَعْدَ الْخِطْبَةِ لَيْسَ بِالْخِطْبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً مُسْتَخِفَّةً لَوْ قَالَتْ لَا أَنْكِحُ رَجُلًا حَتَّى أَرَاهُ مُتَجَرِّدًا أَوْ حَتَّى أُخْبِرَهُ بِالْفَاحِشَةِ فَأَرْضَاهُ فِي الْحَالَيْنِ فَتَجَرَّدَ لَهَا أَوْ أَتَى مِنْهَا مُحَرَّمًا ثُمَّ نَكَحَتْهُ بَعْدَمَا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَمَا فَعَلَاهُ قَبْلَهُ مُحَرَّمًا لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ بِسَبَبِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَادِثٌ بَعْدَ سَبَبِهِ وَالنِّكَاحُ غَيْرُ سَبَبِهِ، وَهَذَا مِمَّا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا تَحِلُّ وَتَحْرُمُ بِعَقْدِهَا لَا بِأَسْبَابِهَا، قَالَ وَالتَّعْرِيضُ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ مَا عَدَا التَّصْرِيحَ مِنْ قَوْلٍ. وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ رُبَّ مُتَطَلِّعٍ إلَيْكِ وَرَاغِبٍ فِيكِ وَحَرِيصٍ عَلَيْكِ وَإِنَّكِ لَبِحَيْثُ تُحِبِّينَ وَمَا عَلَيْكِ أَيِّمَةٌ وَإِنِّي عَلَيْكِ لَحَرِيصٌ وَفِيكِ رَاغِبٌ.
وَمَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا خَالَفَ التَّصْرِيحَ أَنْ يَقُولَ تَزَوَّجِينِي إذَا حَلَلْتِ أَوْ أَنَا أَتَزَوَّجُكِ إذَا حَلَلْتِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا جَاوَزَ بِهِ التَّعْرِيضَ وَكَانَ بَيَانًا أَنَّهُ خِطْبَةٌ لَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْخِطْبَةِ.
قَالَ وَالْعِدَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute