إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا يُبَاعُ مِنْهُ وَاحِدٌ بِآخَرَ مَطْبُوخَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّ النَّارَ تَبْلُغُ مِنْ بَعْضِهِ أَكْثَرَ مِمَّا تَبْلُغُ مِنْ بَعْضٍ وَلَيْسَ لِلْمَطْبُوخِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا كَمَا يَكُونُ لِلتَّمْرِ فِي الْيُبْسِ غَايَةٌ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَقَدْ يُطْبَخُ فَيَذْهَبُ مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَيُطْبَخُ فَيَذْهَبُ مِنْهُ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ مَطْبُوخٌ بِمَطْبُوخٍ لِمَا وَصَفْت وَلَا مَطْبُوخٌ بِنَيْءٍ وَلَا يَجُوزُ إلَّا نَيْءٌ بِنَيْءٍ.
فَإِنْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يُعْصَرُ إلَّا مَشُوبًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بِصِنْفِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَا حِصَّةُ الْمَشُوبِ مِنْ حِصَّةِ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ بِعَيْنِهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ
بَابُ الْمَأْكُولِ مِنْ صِنْفَيْنِ شِيبَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ): قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفِي السُّنَّةِ خَبَرٌ نَصًّا وَدَلَالَةً بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بَيِّنٌ، وَمَا سِوَاهُ قِيَاسٌ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ وَلَا بَأْسَ بِمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ شَعِيرٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ أُرْزٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ ذُرَةٍ وَمُدِّ حِنْطَةٍ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَمُدِّ تَمْرٍ بِمُدَّيْ زَبِيبٍ وَمُدِّ زَبِيبٍ بِمُدَّيْ مِلْحٍ وَمُدِّ مِلْحٍ بِمُدَّيْ حِنْطَةٍ وَالْمِلْحُ كُلُّهُ صِنْفُ مِلْحُ جَبَلٍ وَبَحْرٍ وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مِلْحٍ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً مِثْلُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ سَوَاءً لَا يَخْتَلِفَانِ فَعَلَى هَذَا.
هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَكُلُّ مَا سَكَتَ عَنْهُ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ بِحَالٍ أَبَدًا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ صِنْفٌ مِنْهُ بِصِنْفٍ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوْ صِنْفٌ بِصِنْفٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ كَالذَّهَبِ بِالْوَرِقِ لَا يَخْتَلِفَانِ فِي حَرْفٍ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ لَازِمًا لِلْحَدِيثِ حَتَّى يَقُولَ هَذَا؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الْكَلَامِ فِيمَا حَلَّ بَيْعُهُ وَحُرِّمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدٌ، وَإِذَا تَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ وَالْعَسَلُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَلَا بَأْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهُ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ وَلَا مُسْتَوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا نَسِيئَةً وَلَا يُبَاعُ عَسَلٌ بِعَسَلٍ إلَّا مُصَفَّيَيْنِ مِنْ الشَّمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْعَ غَيْرُ الْعَسَلِ فَلَوْ بِيعَا وَزْنًا وَفِي أَحَدِهِمَا الشَّمْعُ كَانَ الْعَسَلُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ وَزْنًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَمْعٌ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِمَا مِنْ الْعَسَلِ مِنْ وَزْنِ الشَّمْعِ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ مَجْهُولٌ بِمَجْهُولٍ وَقَدْ يَدْخُلُهُمَا أَنَّهُمَا عَسَلٌ بِعَسَلٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ لَوْ بِيعَا كَيْلًا بِكَيْلٍ وَلَا خَيْرَ فِي مُدِّ حِنْطَةٍ فِيهَا قَصْلٌ أَوْ فِيهَا حِجَارَةٌ أَوْ فِيهَا زُوَانٌ بِمُدِّ حِنْطَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ أَوْ فِيهَا تِبْنٌ؛ لِأَنَّهَا الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مُتَفَاضِلَةً وَمَجْهُولَةً كَمَا وَصَفْتُ فِي الْعَسَلِ بِالْعَسَلِ وَهَكَذَا كُلُّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ خَلَطَهُ غَيْرُهُ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى تَمْيِيزِهِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا خَالِصًا مِمَّا يَخْلِطُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يُخْلَطُ الْمَكِيلُ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ مِثْلُ قَلِيلِ التُّرَابِ وَمَا دُقَّ مِنْ تِبْنِهِ فَكَانَ مِثْلَ التُّرَابِ فَذَلِكَ لَا يَزِيدُ فِي كَيْلِهِ فَأَمَّا الْوَزْنُ فَلَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا يَزِيدُ فِي الْوَزْنِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا شَابَهَ غَيْرُهُ فَبِيعَ وَاحِدٌ مِنْهُ بِوَاحِدٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا بِوَزْنٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ.
وَإِنْ بِيعَ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَكَانَ مَا شَابَهَ يَنْقُصُ مِنْ كَيْلِ الْجِنْسِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ مِثْلُ مَا وَصَفْت مِنْ الْحِنْطَةِ مَعَهَا شَيْءٌ بِحِنْطَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute