وَأَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ الْمِكْيَالِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَجَافَى وَلَمْ يَتَجَافَ فِي الْمِيزَانِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ فِيهِ كُلِّهِ إلَى أَنْ يُوجَدَ بِوَزْنِهِ وَالْمُتَجَافِي فِي الْمِكْيَالِ يَتَبَايَنُ تَبَايُنًا بَيِّنًا فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا وُزِنَ اخْتِلَافٌ فِي الْوَزْنِ يُرَدُّ بِهِ السَّلَفُ مِنْ قِبَلِ اخْتِلَافِهِ فِي الْوَزْنِ كَمَا يَكُونُ فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ الْكَيْلِ، وَلَا يَفْسُدُ شَيْءٌ مِمَّا سَلَّفَ فِيهِ وَزْنًا مَعْلُومًا إلَّا مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الْوَزْنِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلِّفَ فِي شَيْءٍ وَزْنًا، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ كَيْلًا، وَلَا فِي شَيْءٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ وَزْنًا إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ مِثْلُ الزَّيْتِ الَّذِي هُوَ ذَائِبٌ إنْ كَانَ يُبَاعُ بِالْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ بَعْدِهِ وَزْنًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ فِيهِ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ كَيْلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَلَّفَ فِيهِ وَزْنًا وَمِثْلَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْإِدَامِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ كَانَ يُبَاعُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْنَا اللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا الَّذِي أَدْرَكْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ بِهِ عَلَيْهِ فَأَمَّا مَا قَلَّ مِنْهُ فَيُبَاعُ كَيْلًا وَالْجُمْلَةُ الْكَثِيرَةُ تُبَاعُ وَزْنًا وَدَلَالَةُ الْأَخْبَارِ عَلَى مِثْلِ مَا أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَيْهِ. قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا آكُلُ سَمْنًا مَا دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ وَتُشْبِهُ الْأَوَاقِي أَنْ تَكُونَ كَيْلًا، وَلَا يَفْسُدُ السَّلَفُ الصَّحِيحُ الْعَقْدَ فِي الْوَزْنِ إلَّا مِنْ قِبَلِ الصِّفَةِ فَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ لَا تَقَعُ عَلَيْهِ وَكَانَ إذَا اخْتَلَفَ صِفَاتُهُ تَبَايَنَتْ جَوْدَتُهُ وَاخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَمَا كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَهُمْ لَمْ يَجُزْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ سَلَّفَ فِي وَزْنٍ ثُمَّ أَرَادَ إعْطَاءَهُ كَيْلًا لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ خَفِيفًا وَيَكُونُ غَيْرُهُ مِنْ جِنْسِهِ أَثْقَلَ مِنْهُ فَإِذَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِالْمِكْيَالِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا سَلَّفَهُ فِيهِ فَكَانَ أَعْطَاهُ الطَّعَامَ الْوَاجِبَ مِنْ الطَّعَامِ الْوَاجِبِ مُتَفَاضِلًا أَوْ مَجْهُولًا وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَعْلُومًا فَإِنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ وَزَادَهُ تَطَوُّعًا مِنْهُ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ كَانَ فِي الْعَقْدِ فَهَذَا نَائِلٌ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ وَأَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ فَهَذَا شَيْءٌ تَطَوَّعَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَأَمَّا أَنْ لَا يَعْمِدَا تَفَضُّلًا وَيَتَجَازَفَا مَكَانَ الْكَيْلِ يَتَجَازَفَانِ وَزْنًا، فَإِذَا جَازَ هَذَا جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَيْضًا جُزَافًا، وَفَاءً مِنْ كَيْلٍ لَا عَنْ طِيبِ أَنْفُسٍ مِنْهُمَا عَنْ فَضْلٍ عَرَفَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ.
الْوَزْنُ مِنْ الْعَسَلِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقَلُّ مَا يَجُوزُ بِهِ السَّلَفُ فِي الْعَسَلِ أَنْ يُسَلِّفَ الْمُسَلِّفُ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ جَدِيدًا وَيَقُولُ عَسَلُ وَقْتِ كَذَا، لِلْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَيَكُونُ يَعْرِفُ يَوْمَ يَقْبِضُهُ جِدَّتَهُ مِنْ قِدَمِهِ وَجِنْسَ كَذَا وَكَذَا مِنْهُ (قَالَ): وَالصِّفَةُ أَنْ يَقُولَ عَسَلٌ صَافٍ أَبْيَضُ مِنْ عَسَلِ بَلَدِ كَذَا أَوْ رَدِيءٌ (قَالَ): وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ فِي الْعَسَلِ صَافِيًا جَازَ عِنْدِي مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ عَسَلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ شَمْعًا فِي الْعَسَلِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَسَلًا وَالْعَسَلَ الصَّافِيَ، وَالصَّافِي وَجْهَانِ صَافٍ مِنْ الشَّمْعِ وَصَافٍ فِي اللَّوْنِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ سَلَّفَ فِي عَسَلٍ صَافٍ فَأَتَى بِعَسَلٍ قَدْ صُفِّيَ بِالنَّارِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ النَّارَ تُغَيِّرُ طَعْمَهُ فَيَنْقُصُ ثَمَنُهُ وَلَكِنْ يُصَفِّيهِ لَهُ بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ جَاءَهُ بِعَسَلٍ غَيْرِ صَافِي اللَّوْنِ فَذَلِكَ عَيْبٌ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ إذَا كَانَ عَيْبًا فِيهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ سَلَّفَ فِي عَسَلٍ فَجَاءَهُ بِعَسَلٍ رَقِيقٍ أُرِيَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْعَسَلِ فَإِنْ قَالُوا هَذِهِ الرِّقَّةُ فِي هَذَا الْجِنْسِ مِنْ هَذَا الْعَسَلِ عَيْبٌ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَإِنْ قَالُوا هَكَذَا يَكُونُ هَذَا الْعَسَلُ وَقَالُوا رَقَّ لِحَرِّ الْبِلَادِ أَوْ لِعِلَّةٍ غَيْرِ عَيْبٍ فِي نَفْسِ الْعَسَلِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ (قَالَ): وَلَوْ قَالَ عَسَلُ بُرٍّ، أَوْ قَالَ عَسَلُ صَعْتَرٍ أَوْ عَسَلُ صَرْوٍ أَوْ عَسَلُ عُشْرٍ وَوَصَفَ لَوْنَهُ وَبَلَدَهُ فَأَتَاهُ بِاللَّوْنِ وَالْبَلَدِ وَبِغَيْرِ الصِّنْفِ الَّذِي شَرَطَ لَهُ أَدْنَى أَوْ أَرْفَعَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَخْذُهُ إنَّمَا يَرُدُّهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute