إنَّمَا قُبِلَ عَلَى صِدْقِ الْمُخْبِرِ وَعَلَى الْأَغْلَبِ عَلَى الْقَلْبِ وَلَيْسَ مِنْ الشَّهَادَاتِ بِسَبِيلٍ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَقْبَلُ فِي الْحَدِيثَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا نَقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ حَتَّى يَقُولَ أَشْهَدُ لَسَمِعْت فُلَانًا وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْمَرْأَةِ حَتَّى نُحِلَّ بِهَا وَنُحَرِّمَ وَحْدَهَا وَلَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهَا وَحْدَهَا عَلَى شَيْءٍ وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْعَبْدِ الصَّادِقِ وَلَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَنَرُدُّ حَدِيثَ الْعَدْلِ إذَا لَمْ يَضْبِطْ الْحَدِيثَ وَنَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فِيمَا يَعْرِفُ فَالْحَدِيثُ غَيْرُ الشَّهَادَةِ.
شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ وَالْوَلَدِ لِلْوَالِدِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا لِبَنِي بَنِيهِ وَلَا لِبَنِي بَنَاتِهِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَلَا لِآبَائِهِ وَإِنْ بَعُدُوا؛ لِأَنَّهُ مِنْ آبَائِهِ وَإِنَّمَا شَهِدَ لِشَيْءٍ هُوَ مِنْهُ وَأَنَّ بَنِيهِ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِبَعْضِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا وَيَجُوزُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ لِكُلِّ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ مِنْ أَخٍ وَذِي رَحِمٍ وَزَوْجَةٍ لِأَنِّي لَا أَجِدُ فِي الزَّوْجَةِ وَلَا فِي الْأَخِ عِلَّةً أَرُدُّ بِهَا شَهَادَتَهُ خَبَرًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا مَعْقُولًا وَإِنِّي لَوْ رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ فِي حَالٍ رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِمَوْلَاهُ مِنْ أَسْفَلِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرِثُهُ فِي حَالٍ وَرَدَدْت شَهَادَتَهُ لِعَصَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِائَةُ أَبٍ وَلَسْت أَجِدُهُ يَمْلِكُ مَالَ امْرَأَتِهِ وَلَا تَمْلِكُ مَالَهُ فَيَكُونُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا وَهَكَذَا أَجِدُهُ فِي أَخِيهِ، وَلَوْ رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِأَخِيهِ بِالْقَرَابَةِ رَدَدْتهَا لِابْنِ عَمِّهِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ جَدِّهِ الْأَدْنَى وَرَدَدْتهَا لِابْنِ جَدِّهِ الَّذِي يَلِيه وَرَدَدْتهَا لِأَبِي الْجَدِّ الَّذِي فَوْقَ ذَلِكَ حَتَّى أَرُدَّهَا عَلَى مِائَةِ أَبٍ، أَوْ أَكْثَرَ قَالَ، وَلَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ لِأَخٍ بِحَقٍّ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِحَقٍّ فَجَرَّحَاهُ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا، وَلَوْ رَدَدْتهَا فِي إحْدَى الْحَالَيْنِ لَرَدَدْتُهَا فِي الْأُخْرَى (قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا لَهُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ أَنَّهُ أُعْتِقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحُوا شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَيْهِ بِحَدٍّ قَبِلْتُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ أَنْ تَكُونَ مَقْبُولَةً، أَوْ مَرْدُودَةً فَإِذَا كَانَتْ مَقْبُولَةً لِلْأَخِ قُبِلَتْ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يَجُرُّونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ الْمِيرَاثَ إذَا صَارَ حُرًّا قِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ، أَوْ رَأَيْتَ إنْ كَانَ ابْنُ عَمٍّ بَعِيدُ النَّسَبِ قَدْ يَرِثُونَهُ إنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ أَوَرَأَيْتَ إنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَشِيرَةِ مُتَرَاخِيَ النَّسَبِ أَتَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ لَهُ فِي الْحَدِّ يَدْفَعُونَهُ بِجُرْحِ مَنْ شَهِدُوا عَلَى جُرْحِهِ مِمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، أَوْ بِعِتْقِهِ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: أَفَرَأَيْت إنْ كَانُوا حُلَفَاءَ فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ حَلِيفَهُمْ، أَوْ كَانُوا أَصْهَارًا فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ صِهْرَهُمْ وَإِنْ بَعُدَ صِهْرُهُ، وَكَانَ مِنْ عَشِيرَةِ صِهْرِهِمْ الْأَدْنَى، أَوْ رَأَيْت إنْ كَانُوا أَهْلَ صِنَاعَةٍ وَاحِدَةٍ يُعَابُونَ مَعًا وَيُمْدَحُونَ مَعًا مِنْ عِلْمٍ، أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ يَخْلُ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيهِمْ وَإِنْ أَجَازَهَا فِي هَذَا فَقَدْ أَجَازَهَا وَفِيهَا الْعِلَّةُ الَّتِي أَبْطَلَهَا بِهَا (قَالَ): وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ غَيْرِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ الْعُدُولِ.
شَهَادَةُ الْغُلَامِ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا شَهِدَ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ، وَالْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ، وَالْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لِرَجُلٍ بِشَهَادَةٍ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَهَا وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَهَا وَسَمَاعُهَا مِنْهُ تَكَلُّفٌ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَكَانُوا عُدُولًا فَشَهِدُوا بِهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّا لَمْ نَرُدَّهَا فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ بِعِلَّةِ سَخَطٍ فِي أَعْمَالِهِمَا وَلَا كَذِبِهِمَا وَلَا بِحَالٍ سَيِّئَةٍ فِي أَنْفُسِهِمَا لَوْ انْتَقَلَا عَنْهَا وَهُمَا بِحَالِهِمَا قَبِلْنَاهُمَا إنَّمَا رَدَدْنَاهَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ شَرْطِ الشُّهُودِ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِإِجَازَةِ شَهَادَتِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُمَا وَسُكَاتَهُمَا فِي مَالِهِمَا تِلْكَ سَوَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute