للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ هَذَا شَيْئًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُوَلُّوا فَإِنْ فَعَلُوا أَحْبَبْت أَنْ يَجْمَعُوا مَعَ الْفِعْلِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ، وَلَا يُبَيِّنُ أَنْ يَأْثَمُوا؛ لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى شَيْءٍ يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأُحِبُّ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ لَا يُوَلِّيَ أَحَدٌ بِحَالٍ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ.

وَلَوْ غَزَا الْمُشْرِكُونَ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ تَوْلِيَةُ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ كَتَوْلِيَتِهِمْ لَوْ غَزَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ إذَا كَانُوا نَازِلِينَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَبْرُزُوا إلَيْهِمْ.

قَالَ: وَلَا يَضِيقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَحَصَّنُوا مِنْ الْعَدُوِّ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَبِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانُوا قَاهِرِينَ لِلْعَدُوِّ فِيمَا يَرَوْنَ إذَا ظَنُّوا ذَلِكَ أَزْيَدَ فِي قُوَّتِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ الْعَدُوُّ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا فِي تَحَصُّنِهِمْ عَنْهُمْ، فَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَاقَ عَلَيْهِمْ إنْ أَمْكَنَهُمْ الْخُرُوجُ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُمْ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ قَاهِرِينَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَصَّنُوا إلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ مَدَدٌ أَوْ تَحْدُثُ لَهُمْ قُوَّةٌ، وَإِنْ وَنَى عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُوَلُّوا عَنْ الْعَدُوِّ مَا لَمْ يَلْتَقُوا هُمْ وَالْعَدُوُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّوْلِيَةِ بَعْدَ اللِّقَاءِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالتَّحَرُّفُ لِلْقِتَالِ الِاسْتِطْرَادُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ الْمُسْتَطْرِدُ الْكَرَّةَ فِي أَيِّ حَالٍ مَا كَانَ الْإِمْكَانُ وَالتَّحَيُّزُ إلَى الْفِئَةِ أَيْنَ كَانَتْ الْفِئَةُ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ، أَوْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إنَّمَا يَأْثَمُ فِي التَّوْلِيَةِ مَنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدًا مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَرِيَّةٍ فَلَقُوا الْعَدُوَّ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ وَفَتَحْنَا بَابَهَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: نَحْنُ الْفَرَّارُونَ قَالَ: أَنْتُمْ الْعَكَّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ» أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ.

فِي إظْهَارِ دِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَدْيَانِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرُ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) «لَمَّا أُتِيَ كِسْرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَزَّقَهُ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُمَزَّقُ مُلْكُهُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَحَفِظْنَا أَنَّ «قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ فَقَالَ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَثْبُتُ مُلْكُهُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَوَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ فَتْحَ فَارِسَ وَالشَّامِ فَأَغْزَى أَبُو بَكْرٍ الشَّامَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَتْحِهَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَتَحَ بَعْضَهَا وَتَمَّ فَتْحُهَا فِي زَمَانِ عُمَرَ وَفَتَحَ الْعِرَاقَ وَفَارِسَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينَهُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ وَمَا خَالَفَهُ مِنْ الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَدِينُ الْأُمِّيِّينَ فَقَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأُمِّيِّينَ حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَبَى حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ صَاغِرِينَ وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا ظُهُورُ الدِّينِ كُلِّهِ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ لَيُظْهِرَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ حَتَّى لَا يُدَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا بِهِ وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَكَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>