قَدْ خَرَجَ مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ مُخَالِفٌ لِلْمَقْصُودِ قَصْدُهُ كَمَا «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ مِنْ السِّبَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَفِي مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَالْمُسْلِمَاتُ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُمْ بِالْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ لِقَطْعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِيهِ عَلِمْته قَالَ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْحَرَائِرُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} إلَى قَوْلِهِ {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} وَفِي إبَاحَةِ اللَّهِ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى مَا شَرَطَ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا وَخَافَ الْعَنَتَ دَلَالَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ إمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَعَلَى أَنَّ الْإِمَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَا يَحْلِلْنَ إلَّا لِمَنْ جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ مَعَ إيمَانِهِنَّ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَبَاحَ بِشَرْطٍ لَمْ يَحْلِلْ إلَّا بِذَلِكَ الشَّرْطِ كَمَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ فِي السَّفَرِ وَالْإِعْوَازِ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَحْلِلْ إلَّا بِأَنْ يَجْمَعَهُمَا الْمُتَيَمِّمُ وَلَيْسَ إمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ مُؤْمِنَاتٍ فَيَحْلِلْنَ بِمَا حَلَّ بِهِ الْإِمَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ مِنْ الشَّرْطَيْنِ مَعَ الْإِيمَانِ.
تَفْرِيعٌ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَاتِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِذَا أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ وُلِدَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَبِيَّةٌ لَمْ تَبْلُغْ حَرُمَ عَلَى كُلِّ مُشْرِكٍ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ نِكَاحُهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ كَانَ أَبَوَاهَا مُشْرِكَيْنِ فَوَصَفَتْ الْإِسْلَامَ وَهِيَ تَعْقِلُ صِفَتَهُ مَنَعْتُهَا مِنْ أَنْ يَنْكِحَهَا مُشْرِكٌ فَإِنْ وَصَفَتْهُ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ صِفَتَهُ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يُمْنَعَ أَنْ يَنْكِحَهَا مُشْرِكٌ وَلَا يَبِينُ لِي فَسْخُ نِكَاحِهَا وَلَوْ نَكَحَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ نِكَاحِ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَيَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّهُنَّ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ لَمْ يَنْكِحْهُنَّ مُسْلِمٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ فَقَالَ تَزَوَّجْنَاهُنَّ زَمَانَ الْفَتْحِ بِالْكُوفَةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَنَحْنُ لَا نَكَادُ نَجِدُ الْمُسْلِمَاتِ كَثِيرًا فَلَمَّا رَجَعْنَا طَلَّقْنَاهُنَّ وَقَالَ فَقَالَ لَا يَرِثْنَ مُسْلِمًا وَلَا يَرِثُونَهُنَّ وَنِسَاؤُهُنَّ لَنَا حِلٌّ وَنِسَاؤُنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دُونَ الْمَجُوسِ قَالَ وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَصْلِ مَا يُحِلُّونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيُحَرِّمُونَ فَيَحْرُمُ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ كَمَا يَحْرُمُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّاتِ وَإِنْ كَانُوا يُجَامِعُونَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْكِتَابِ وَيَتَأَوَّلُونَ فَيَخْتَلِفُونَ فَلَا يُحَرِّمُ ذَلِكَ نِسَاءَهُمْ وَهُمْ مِنْهُمْ يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ بِمَا يَحِلُّ بِهِ نِسَاءُ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْمُ صَابِئٍ وَلَا سَامِرِيٍّ قَالَ وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرَ مَنْ دَانَ مِنْ الْعَرَبِ دِينَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لِأَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ كَانَ الْحَنِيفِيَّةَ ثُمَّ ضَلُّوا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا انْتَقَلُوا إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَهُ لَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا الَّذِينَ دَانُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَضَلُّوا عَنْهَا وَأَحْدَثُوا فِيهَا إنَّمَا ضَلُّوا عَنْ الْحَنِيفِيَّةِ وَلَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَكَذَلِكَ كُلُّ أَعْجَمِيٍّ كَانَ أَصْلُ دِينِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَدَانَ دِينَهُمْ لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ فِي هَذَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute