عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ فَإِنَّمَا نَهَى أَنْ يُجْمَعَا وَنَهْيُهُ أَنْ يُجْمَعَا مَعْقُولٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَثْمَانَ لَا تَحِلُّ إلَّا مَعْلُومَةً، فَإِذَا اشْتَرَيْت شَيْئًا بِعَشْرَةٍ عَلَى أَنْ أُسَلِّفَك عَشْرَةً أَوْ تُسَلِّفَنِي عَشْرَةً فَهَذَا بَيْعٌ وَسَلَفٌ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ جَمَعَتْهُمَا مَعْلُومَ السَّلَفِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِلْمُسْتَسْلِفِ فَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ أَوْ لَا تَرَى بِأَنْ لَا بَأْسَ بِأَنْ أَبِيعَك عَلَى حِدَةٍ وَأُسَلِّفَك عَلَى حِدَةٍ إنَّمَا النَّهْيُ أَنْ يَكُونَا بِالشَّرْطِ مَجْمُوعَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، فَأَمَّا إذَا أَعْطَيْتُك عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى مِائَةِ فِرْقٍ إلَى أَجَلٍ فَحَلَّتْ فَإِنَّمَا لِي عَلَيْك الْمِائَةُ فَإِنْ أَخَذْتهَا كُلَّهَا فَهِيَ مَالِي، وَإِنْ أَخَذْت بَعْضَهَا فَهِيَ مَالِي وَأُقِيلُك فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَيَحْرُمُ بِهِ الْبَيْعُ، وَإِذَا جَازَ أَنْ أُقِيلَك مِنْهَا كُلِّهَا فَيَكُونُ هَذَا إحْدَاثُ إقَالَةٍ لَمْ تَكُنْ عَلَيَّ جَازَ هَذَا فِي بَعْضِهَا.
(قَالَ الرَّبِيعُ) (قَالَ الشَّافِعِيُّ): الْبَيْعُ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا أَحَدُهُمَا بَيْعُ عَيْنٍ يَرَاهَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عِنْدَ تَبَايُعِهِمَا وَبَيْعٌ مَضْمُونٌ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْبَضُ فِيهِ.
(قَالَ الرَّبِيعُ): وَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ يُجِيزُ بَيْعَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا غَائِبَةً بِصِفَةٍ ثُمَّ قَالَ لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا قَدْ تَتْلَفُ فَلَا يَكُونُ يَتِمُّ الْبَيْعُ فِيهَا فَلَمَّا كَانَتْ مَرَّةً تَسْلَمُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَمَرَّةً تَعْطَبُ فَلَا يَتِمُّ الْبَيْعُ كَانَ هَذَا مَفْسُوخًا.
كِرَاءُ الدَّوَابِّ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَإِذَا تَكَارَى رَجُلٌ دَابَّةً مِنْ مَكَّةَ إلَى مَرٍّ فَرَكِبَهَا إلَى الْمَدِينَةِ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ الَّذِي تَرَاضَيَا عَلَيْهِ إلَى مَرٍّ. فَإِنْ سَلِمَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا إلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنْ عَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ إلَى مَرٍّ وَقِيمَةُ الدَّابَّةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ دَخَلَهَا مِنْ رُكُوبِهِ فَأَثَّرَ فِيهَا مِثْلَ الدَّبْرِ وَالْعَوَرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ رَدَّهَا وَأَخَذَ قِيمَةَ مَا نَقَصَهَا كَمَا يَأْخُذُ قِيمَتَهَا لَوْ هَلَكَتْ، وَإِذَا رَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا أَخَذَ مَا نَقَصَهَا وَكِرَاءَ مِثْلِهَا إلَى حَيْثُ تَعَدَّى، وَإِذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ فَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُكْتَرِي الْبَلَدَ الَّذِي تَكَارَاهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ بِأَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ لَهُ، وَلَا أَنْ يَرْكَبَهَا رُكُوبًا لَا تَرْكَبُهُ الدَّوَابُّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي الذَّهَابِ نِصْفُ الْكِرَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّهَابُ وَالْجِيئَةُ يَخْتَلِفَانِ فَيُقْسَمُ الْكِرَاءُ عَلَى قَدْرِ اخْتِلَافِهِمَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاخْتِلَافِهِمَا، وَلَوْ تَعَدَّى عَلَيْهَا بَعْدَمَا بَلَغَتْ الْمَكَانَ الَّذِي تَكَارَهَا إلَيْهِ مِيلًا، أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ رَدَّهَا فَعَطِبَتْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اكْتَرَاهَا إلَيْهِ ضَمِنَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الضَّمَانِ الَّذِي تَعَدَّى إلَّا بِأَدَائِهَا سَالِمَةً إلَى رَبِّهَا.
الْإِجَارَاتُ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ قَائِلٌ لَيْسَ كِرَاءُ الْبُيُوتِ، وَلَا الْأَرْضِينَ، وَلَا الظَّهْرِ يُلَازِمُ، وَلَا جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَالتَّمْلِيكُ بَيْعٌ وَلَمَّا رَأَيْنَا الْبُيُوعَ تَقَعُ عَلَى أَعْيَانِ حَاضِرَةٍ تُرَى وَأَعْيَانٍ غَائِبَةٍ مَوْصُوفَةٍ مَضْمُونَةٍ، وَالْكِرَاءُ لَيْسَ بِعَيْنٍ حَاضِرٍ، وَلَا غَائِبٍ يُرَى أَبَدًا وَرَأَيْنَا مَنْ أَجَازَهُمَا، قَالَ إذَا انْهَدَمَ الْمَنْزِلُ، أَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ وَالْإِجَارَةُ فِيهِمَا، وَإِنَّمَا التَّمْلِيكُ مَا انْقَطَعَ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ إلَى مَنْ مَلَّكَهُ إيَّاهُ، وَهُوَ إذَا مَلَكَ مُسْتَأْجِرُهُ مَنْفَعَتَهُ فَالْإِجَارَةُ لَيْسَتْ هَكَذَا مِلْكُ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ، وَمَنْفَعَتُهُ لِمُسْتَأْجِرِهِ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ وَخِدْمَةُ الْعَبْدِ مَجْهُولَةٌ أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ بِقَدْرِ نَشَاطِهِ وَبَذْلِهِ وَكَسَلِهِ وَضَعْفِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute