مِثْلُهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْنَا لَا يُؤْخَذُ مَالُ الْمُرْتَدِّ عَنْهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ أَحَقَّ بِمَالِهِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قَسَّمَ الْإِمَامُ مِيرَاثَهُ كَمَا يُقَسِّمُ مِيرَاثَ الْمَيِّتِ وَأَعْتَقَ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَجَعَلَ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا وَأَعْطَى وَرَثَتَهُ مِيرَاثَهُ فَقِيلَ: لَهُ عِبْت أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - حَكَمَا فِي دَارِ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ الَّذِي لَا يُسْمَعُ لَهُ بِخَبَرٍ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ بِأَنْ تَتَرَبَّصَ امْرَأَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تُنْكَحُ فَقُلْت: وَكَيْفَ نَحْكُمُ بِحُكْمِ الْوَفَاةِ عَلَى رَجُلٍ امْرَأَتُهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا؟ وَهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا فِي مَالِهِ بِحُكْمِ الْحَيَاةِ إنَّمَا حَكَمُوا بِهِ لِمَعْنَى الضَّرَرِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقَدْ نُفَرِّقُ نَحْنُ وَأَنْتَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ عَلَى الزَّوْجَةِ فَنَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنِّينًا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ صِرْت بِرَأْيِك إلَى أَنْ حَكَمْت عَلَى رَجُلٍ حَيٍّ لَوْ ارْتَدَّ بطرسس فَامْتَنَعَ بِمُسَلِّحَةِ الرُّومِ وَنَحْنُ نَرَى حَيَاتَهُ بِحُكْمِ الْمَوْتَى فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ خَالَفْت فِيهِ الْقُرْآنَ وَدَخَلْت فِي أَعْظَمِ مِنْ الَّذِي عِبْت. وَخَالَفْت مَنْ عَلَيْك عِنْدَك اتِّبَاعُهُ فِيمَا عَرَفْت وَأَنْكَرْت.
قَالَ: وَأَيْنَ الْقُرْآنُ الَّذِي خَالَفْت؟ قُلْت: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} وَقَالَ: جَلَّ وَعَزَّ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} فَإِنَّمَا نَقَلَ مِلْكَ الْمَوْتَى إلَى الْأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى خِلَافُ الْأَحْيَاءِ، وَلَمْ يَنْقُلْ بِمِيرَاثٍ قَطُّ مِيرَاثَ حَيٍّ إلَى حَيٍّ فَنَقَلْت مِيرَاثَ الْحَيِّ إلَى الْحَيِّ، وَهُوَ خِلَافُ حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. قَالَ: فَإِنِّي أَزْعُمُ أَنَّ رِدَّتَهُ وَلُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مِثْلُ مَوْتِهِ، قُلْت: قَوْلُك هَذَا خَبَرٌ؟ قَالَ: مَا فِيهِ خَبَرٌ، وَلَكِنِّي قُلْته قِيَاسًا. قُلْت: فَأَيْنَ الْقِيَاسُ؟ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنِّي لَوْ وَجَدْته فِي هَذِهِ الْحَالِ قَتَلْته فَكَانَ مَيِّتًا، قُلْت: قَدْ عَلِمْت أَنَّك إذَا قَتَلْته مَاتَ فَأَنْتَ لَمْ تَقْتُلْهُ فَأَيْنَ الْقِيَاسُ؟ إنَّمَا قَتْلُهُ لَوْ أَمَتَّهُ فَأَنْتَ لَمْ تُمِتْهُ.
وَلَوْ كُنْت بِقَوْلِك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته كَالْقَاتِلِ لَهُ لَزِمَك إذَا رَجَعَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ الْمَيِّتَ فَتُنَفِّذُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى. قَالَ: مَا أَفْعَلُ وَكَيْفَ أَفْعَلُ، وَهُوَ حَيٌّ؟ قُلْت: قَدْ فَعَلْت أَوَّلًا، وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك إنْ حَكَمْت عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَوْتَى فَرَجَعَ تَائِبًا وَأُمُّ وَلَدِهِ قَائِمَةٌ وَمُدَبَّرُهُ قَائِمٌ، وَفِي يَدِ غَرِيمِهِ مَالُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي دَفَعْته إلَيْهِ، وَهُوَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، وَفِي يَدِ أَبِيهِ مِيرَاثُهُ فَقَالَ: لَك رُدَّ عَلَيَّ مَالِي، وَهَذَا غَرِيمِي يَقُولُ هَذَا مَالُك بِعَيْنِهِ لَمْ أُغَيِّرْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِي إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَهَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَمُدَبَّرِي بِأَعْيَانِهِمَا.
قَالَ: لَا أَرُدُّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ نَفَذَ فِيهِ، قُلْنَا فَكَيْفَ رَدَدْت عَلَيْهِ مَا فِي يَدَيْ وَارِثِهِ، وَقَدْ نَفَذَ لَهُ بِهِ الْحُكْمُ؟ قَالَ: هَذَا مَالُهُ بِعَيْنِهِ، قُلْنَا: وَالْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ غَرِيمِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُهُ مَالُهُ بِعَيْنِهِ، فَكَيْفَ نَقَضْت الْحُكْمَ فِي بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ؟ هَلْ قُلْت: هَذَا خَبَرًا، أَوْ قِيَاسًا قَالَ: مَا قُلْته خَبَرًا، وَلَكِنْ قُلْته قِيَاسًا، قُلْنَا فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قِسْته؟ قَالَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يُصِيبُهَا أَهْلُ الْعَدْلِ، فَإِنْ تَابَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَوَجَدُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَعْيَانِهَا أَخَذُوهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهَا بِأَعْيَانِهَا لَمْ يَغْرَمْهَا أَهْلُ الْعَدْلِ، وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ أَهْلُ الْعَدْلِ لِأَهْلِ الْبَغْيِ، قُلْنَا فَهَذَا وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَرَدَدْت بَعْضَهُ، وَلَمْ تَرْدُدْ بَعْضَهُ فَأَمَّا أَهْلُ الْعَدْلِ لَوْ أَصَابُوا لِأَهْلِ الْبَغْيِ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُدَبَّرَةً رَدَدْتُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِمَا وَقُلْت: لَا يَعْتِقَانِ، وَلَا يَمْلِكُهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِمَا وَلَيْسَ هَكَذَا قُلْت: فِي مَالِ الْمُرْتَدِّ.
مِيرَاثُ الْمُشْرِكَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قُلْنَا: إنَّ الْمُشْرِكَةَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَيُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا سَقَطَ حُكْمُهُ صَارُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute