لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا مَا يَلْزَمُهُمَا مِنْ الْعَقْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا مِنْ عَاقِلَتِهِ فَقِيرَيْنِ لَا يَلْزَمُهُمَا لِذَلِكَ عَقْلٌ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُمَا مَالٌ فِي وَقْتِ الْعَقْلِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمَا الْعَقْلُ فَيَكُونَا دَافِعَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ خَطَأً فَجَاءَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِرِجَالٍ مِنْ عَصَبَتِهِ يَجْرَحُونَهُمَا انْبَغَى لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ جَرَحُوهُمَا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْقِلَ عَنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ حِينَ شَهِدُوا إنْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا مِنْهُمَا يَحْمِلُ الْعَقْلَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ نَسَبًا مِنْهُمَا يَحْمِلُ الْعَقْلَ عَنْهُ حَتَّى لَا يَخْلُصَ إلَى أَنْ يَعْقِلَ الشَّاهِدَانِ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَقْلَ عَنْهُ مِنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ حَاجَتِهِمْ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حِينَ شَهِدَا مِنْ غَيْرِ عَاقِلَتِهِ.
مَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ فِي الْجِنَايَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا أَقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ إلَّا مَا أَقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُقُوقِ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَقَّفْتُهُمَا فَإِنْ قَالَا: أَنْهَرَ دَمَهُ وَمَاتَ مَكَانَهُ مِنْ ضَرْبِهِ قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَإِنْ قَالَا مَا نَدْرِي أَنَهَرَ دَمَهُ أَوْ لَمْ يَنْهَرْ. لَمْ أَجْعَلْهُ بِهَا جَارِحًا وَلَوْ قَالَا: ضَرَبَهُ فِي رَأْسِهِ فَرَأَيْنَا دَمًا سَائِلًا لَمْ أَجْعَلْهُ جَارِحًا إلَّا بِأَنْ يَقُولَا سَالَ مِنْ ضَرْبَتِهِ، ثُمَّ لَمْ أَجْعَلْهَا دَامِيَةً حَتَّى يَقُولَا وَأَوْضَحَهَا وَهَذِهِ هِيَ نَفْسُهَا أَوْ هِيَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ بَرَأَ مِنْهَا فَأَرَادَ الْقِصَاصَ لَمْ أَقْضِهِ إلَّا بِأَنْ يَقُولَا هِيَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا أَوْ يَصِفَاهَا طُولَهَا وَعَرْضَهَا فَإِنْ قَالَا أَوْضَحَهُ وَلَا نَدْرِي كَمْ طُولُ الْمُوضِحَةِ لَمْ أَقْضِهِ مِنْهُ وَإِنْ قَالَا أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ وَلَا نُثْبِتُ أَيْنَ مَوْضِعُ الْمُوضِحَةِ لَمْ أَقْضِهِ؛ لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيْنَ آخُذُ مِنْهُ الْقِصَاصَ مِنْ رَأْسِهِ وَجَعَلْت عَلَيْهِ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ أَثْبَتَا عَلَى أَنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ وَلَوْ قَالَا ضَرَبَهُ فَقَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ، وَالْمَقْطُوعُ إحْدَى يَدَيْهِ مَقْطُوعُ الْيَدِ الْأُخْرَى، قِصَاصٌ إذَا لَمْ يُثْبِتَا الْيَدَ الَّتِي قَطَعَ وَعَلَى الْجَانِي الْأَرْشُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا قَطْعَ يَدِهِ وَلَوْ قَالَا قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَلَمْ يُثْبِتَا أَيَّ الْيَدَيْنِ هِيَ أَيَدُهُ الْمَقْطُوعَةُ هِيَ أَمْ يَدُهُ الْأُخْرَى قِيلَ أَنْتُمْ ضُعَفَاءُ لَيْسَتْ لَهُ إلَّا يَدَانِ بَيِّنُوا فَإِنْ فَعَلُوا قَبِلْت وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَبِلْت وَقُضِيَ عَلَيْهِ وَكَانَ هَؤُلَاءِ ضُعَفَاءَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَكَذَا فِي رِجْلَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَكُلِّ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ إلَّا اثْنَانِ فَقُطِعَ أَحَدُهُمَا وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا قَطَعَ يَدَ هَذَا وَقَالَ هَذَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَقَالَ هَذَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَ عَمْدًا لِاخْتِلَافِهِمَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُبَرِّئُ الْجَانِيَ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي زَعَمَ الْآخَرُ أَنَّهُ فَعَلَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَتَلَ بِمَكَّةَ يَوْمَ كَذَا وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَ بِمِصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ أَنَّهُ قَتَلَ إنْسَانًا بِمِصْرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ جَرَحَهُ أَوْ أَصَابَ حَدًّا سَقَطَ كُلُّ هَذَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ تُبَرِّئُهُ مِمَّا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْأُخْرَى وَهَذَا فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَدْ كَانَ وَالْآخَرُ لَمْ يَكُنْ وَبَطَلَتَا مَعًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِإِحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْأُخْرَى وَأُحَلِّفُ كَمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَيْسَ كَاَلَّذِي يُظَاهِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي تُقَرُّ فِي نَفْسِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَمَا قَالُوا لَا يَبْرَأُ مِنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً بِمَعْنَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute