عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ الْكِبَارُ عَلَى الصِّغَارِ إذَا لَمْ يُخَفْ التَّغْيِيرُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ، وَإِذَا كَانَ الضَّرُورَةُ دُفِنَ الِاثْنَانِ، وَالثَّلَاثَةُ فِي قَبْرٍ، وَقُدِّمَ إلَى الْقِبْلَةِ أَفْضَلُهُمْ، وَأَقْرَؤُهُمْ ثُمَّ جُعِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي يَلِيهِ حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً وَصِبْيَانًا جُعِلَ الرَّجُلُ الَّذِي يَلِيَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ الصَّبِيُّ ثُمَّ الْمَرْأَةُ وَرَاءَهُ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ لَمْ تُدْفَنْ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا رَخَّصْت فِي أَنْ يُدْفَنَ الرَّجُلَانِ فِي قَبْرٍ بِالسُّنَّةِ، لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا يَتَحَدَّثُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ قِيلَ ثَلَاثَةٌ».
بَابُ مَا يَكُونُ بَعْدَ الدَّفْنِ
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ مَنْ مَضَى أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُقْعَدَ عِنْدَ قَبْرِهِ إذَا دُفِنَ بِقَدْرِ مَا تُجْزَرُ جَزُورٌ (قَالَ): وَهَذَا أَحْسَنُ، وَلَمْ أَرَ النَّاسَ عِنْدَنَا يَصْنَعُونَهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أُدْفَنَ بِالْبَقِيعِ لَأَنْ أُدْفَنَ فِي غَيْرِهِ أَحَبُّ إلَيَّ إنَّمَا هُوَ وَاحِدُ رَجُلَيْنِ إمَّا ظَالِمٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ فِي جِوَارِهِ وَإِمَّا صَالِحٌ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُنْبَشَ فِي عِظَامِهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): تَعْنِي فِي الْمَأْثَمِ، وَإِنْ أُخْرِجَتْ عِظَامُ مَيِّتٍ أَحْبَبْت أَنْ تُعَادَ فَتُدْفَنَ وَأُحِبُّ أَنْ لَا يُزَادَ فِي الْقَبْرِ تُرَابٌ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ تُرَابٌ مِنْ غَيْرِهِ بَأْسٌ إذًا إذَا زِيدَ فِيهِ تُرَابٌ مِنْ غَيْرِهِ ارْتَفَعَ جِدًّا، وَإِنَّمَا أُحِبُّ أَنْ يُشَخِّصَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شِبْرًا أَوْ نَحْوَهُ وَأُحِبُّ أَنْ لَا يُبْنَى، وَلَا يُجَصَّصَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الزِّينَةَ وَالْخُيَلَاءَ، وَلَيْسَ الْمَوْتُ مَوْضِعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ أَرَ قُبُورَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مُجَصَّصَةً (قَالَ الرَّاوِي): عَنْ طَاوُسٍ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُبْنَى الْقُبُورُ أَوْ تُجَصَّصَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْوُلَاةِ مَنْ يَهْدِمَ بِمَكَّةَ مَا يُبْنَى فِيهَا فَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْقُبُورُ فِي الْأَرْضِ يَمْلِكُهَا الْمَوْتَى فِي حَيَاتِهِمْ أَوْ وَرَثَتُهُمْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُهْدَمْ شَيْءٌ أَنْ يُبْنَى مِنْهَا وَإِنَّمَا يُهْدَمُ إنْ هُدِمَ مَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ فَهَدْمُهُ لِئَلَّا يُحْجَرَ عَلَى النَّاسِ مَوْضِعُ الْقَبْرِ فَلَا يُدْفَنُ فِيهِ أَحَدٌ فَيَضِيقُ ذَلِكَ بِالنَّاسِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ تَشَاحَّ النَّاسُ مِمَّنْ يَحْفِرُ لِلْمَوْتَى فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَقْبَرَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مِلْكٍ لِأَحَدٍ حَفَرَ الَّذِي يَسْبِقُ حَيْثُ شَاءَ وَإِنْ جَاءُوا مِمَّا أَقْرَعَ الْوَالِي بَيْنَهُمْ وَإِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ حَفْرُ قَبْرِهِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يَعْلَمُ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ ذَهَبَ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالْبُلْدَانِ فَيَكُونُ فِي السَّنَةِ وَأَكْثَرَ فَإِنْ عَجَّلَ أَحَدٌ بِحَفْرِ قَبْرِهِ فَوَجَدَ مَيِّتًا أَوْ بَعْضَهُ أُعِيدَ عَلَيْهِ التُّرَابُ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ عِظَامِهِ شَيْءٌ أُعِيدَ فِي الْقَبْرِ.
(قَالَ): وَإِذَا كَانَتْ أَرْضٌ لِرَجُلٍ فَأَذِنَ بِأَنْ يُقْبَرَ فِيهَا ثُمَّ أَرَادَ أَخْذَهَا فَلَهُ أَخْذُ مَا لَمْ يُقْبَرْ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ مَا قُبِرَ فِيهِ مِنْهَا، وَإِنْ قَبَرَ قَوْمٌ فِي أَرْضٍ لِرَجُلٍ بِلَا إذْنِهِ فَأَرَادَ تَحْوِيلَهُمْ عَنْهَا أَوْ بِنَاءَهَا أَوْ زَرْعَهَا أَوْ حَفْرَهَا آبَارًا، كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ شَحَّ فَهُوَ أَحَقُّ بِحَقِّهِ، وَأُحِبُّ لَوْ تَرَكَ الْمَوْتَى حَتَّى يَبْلُوا.
(قَالَ): وَأَكْرَهُ وَطْءَ الْقَبْرِ، وَالْجُلُوسَ، وَالِاتِّكَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ السَّبِيلَ إلَى قَبْرِ مَيِّتِهِ إلَّا بِأَنْ يَطَأَهُ فَذَلِكَ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ فَأَرْجُو حِينَئِذٍ أَنْ يَسَعَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ لِلتَّغَوُّطِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ نَهَى عَنْهُ الْمَذْهَبُ فَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ مُطْلَقًا لِغَيْرِ الْمَذْهَبِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ تَبِعْت جِنَازَةً مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمَّا كَانَ دُونَ الْقُبُورِ جَلَسَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ قَالَ " لَأَنْ أَجْلِسَ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقُ رِدَائِي ثُمَّ قَمِيصِي ثُمَّ إزَارِي ثُمَّ تُفْضِي إلَى جِلْدِي أَحَبُّ إلَيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute