يَتَيَمَّمْ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كَالطِّينِ لَا غُبَارَ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِي الطِّينِ وَلَمْ يَجِفَّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى خَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ صَلَّى ثُمَّ إذَا جَفَّ الطِّينُ تَيَمَّمَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِصَلَاةٍ صَلَّاهَا لَا بِوُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ.
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَحْبُوسًا فِي الْمِصْرِ فِي الْحُشِّ أَوْ فِي مَوْضِعٍ نَجِسِ التُّرَابِ وَلَا يَجِدُ مَاءً أَوْ يَجِدُهُ وَلَا يَجِدُ مَوْضِعًا طَاهِرًا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَلَا شَيْئًا طَاهِرًا يَفْرِشُهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلَّى يُومِئُ إيمَاءً وَأَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَنْ يُعِيدَ صَلَاتَهُ هَهُنَا وَإِنَّمَا أَمَرْته بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ بِحَالٍ فَلَمْ أَرَهُ يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَمُرَّ بِهِ وَقْتُ صَلَاةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا كَمَا أَمْكَنَهُ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يُعِيدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ كَمَا يُجْزِيهِ وَهَكَذَا الْأَسِيرُ يُمْنَعُ وَالْمُسْتَكْرَهُ، وَمَنْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَأْدِيَةِ الصَّلَاةِ صَلَّى كَمَا قَدَرَ جَالِسًا أَوْ مُومِيًا وَعَادَ فَصَلَّى مُكَمِّلًا لِلصَّلَاةِ إذَا قَدَرَ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَحْبُوسُ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ وَإِنْ كَانَ لَا تُجْزِيهِ بِهِ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَرَ عَلَى شَيْءٍ يَبْسُطُهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَنْ يَبْسُطَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا قَالَ فَأَتَى بِأَيِّ شَيْءٍ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ جَاءَ بِهِ مِمَّا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ وَهَكَذَا إنْ حُبِسَ مَرْبُوطًا عَلَى خَشَبَةٍ وَهَكَذَا إنْ حُبِسَ مَرْبُوطًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْمَأَ إيمَاءً وَيَقْضِي فِي كُلِّ هَذَا إذَا قَدَرَ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْقَضَاءِ رَجَوْت لَهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ مَأْثَمٌ؛ لِأَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَأْدِيَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى نِيَّتَهُ فِي تَأْدِيَتِهَا.
بَابُ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا جَاوَزَهُ نَادَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى الرَّدِّ عَلَيْك خَشْيَةَ أَنْ تَذْهَبَ فَتَقُولَ إنِّي سَلَّمْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَإِذَا رَأَيْتنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّك إنْ تَفْعَلْ لَا أَرُدُّ عَلَيْك» أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ الصِّمَّةِ قَالَ «مَرَرْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى قَامَ إلَى جِدَارٍ فَحَتَّهُ بِعَصَا كَانَتْ مَعَهُ ثُمَّ مَسَحَ يَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيَّ» أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ إلَى بِئْرِ جَمَلٍ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَمَسَّحَ بِجِدَارٍ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْحَدِيثَانِ الْأَوَّلَانِ ثَابِتَانِ، وَبِهِمَا نَأْخُذُ وَفِيهِمَا وَفِي الْحَدِيثِ بَعْدَهُمَا دَلَائِلُ مِنْهُ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ التَّيَمُّمِ وَبَعْدَ التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ وَالتَّيَمُّمِ لَا يُجْزِي الْمَرْءَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَكُونُ التَّيَمُّمُ فِيهِ طَهَارَةً لِلصَّلَاةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَجُوزُ وَالْمَرْءُ غَيْرُ طَاهِرٍ لِلصَّلَاةِ (قَالَ): وَيُشْبِهُ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ غَيْرَ طَاهِرٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى (قَالَ): وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ مَرَّ عَلَى مَنْ يَبُولُ أَوْ يَتَغَوَّطُ أَنْ يُكَفَّ عَنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي حَالَتِهِ تِلْكَ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فِي تِلْكَ الْحَالِ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ فِي حَالَتِهِ تِلْكَ وَعَلَى أَنَّ تَرْكَ الرَّدِّ حَتَّى يُفَارِقَ تِلْكَ الْحَالِ وَيَتَيَمَّمَ مُبَاحٌ ثُمَّ يَرُدَّ وَلَيْسَ تَرْكُ الرَّدِّ مُعَطِّلًا لِوُجُوبِهِ وَلَكِنَّ تَأْخِيرَهُ إلَى التَّيَمُّمِ (قَالَ): وَتَرْكُ رَدِّ السَّلَامِ إلَى التَّيَمُّمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ اخْتِيَارًا عَلَى الذِّكْرِ قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَا مُبَاحَيْنِ لِرَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ التَّيَمُّمِ وَبَعْدَهُ (قَالَ): فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ لَمَّا تَيَمَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute