هَذَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ، وَلَوْ مَلَكَ ابْنَهَا عَتَقَ بِالنَّسَبِ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَعْتَقَهَا بِأَنَّ ابْنَهَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَتَى مَلَكَهُ فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ ابْنُهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ جَرَى عَلَيْهَا الرِّقُّ لِغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا مَا قُلْنَا فِيهَا، وَهُوَ تَقْلِيدٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيهِ أَنَّ الْمَوْلُودَ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ رِقٌّ وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَثَرِ وَالْقِيَاسِ فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: قَوْلُنَا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا، ثُمَّ يَقُولُ: لَوْ حَبَلَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَوَلَدَتْ بَعْدَ شِرَائِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. فَهَذَا لَا عَلَى اسْمِ أَنَّهَا قَدْ وَلَدَتْ لَهُ وَمَلَكَهَا كَمَا قَالَ مَنْ حَكَيْت قَوْلَهُ وَلَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَلَدَ الَّذِي تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لَهَا بِهِ هَذَا الْحُكْمُ كَانَ حَمْلُهُ فِي مِلْكِ سَيِّدِهَا الْوَاطِئِ لَهَا وَيُزَوِّجُهَا مَنْ شَاءَ وَيُؤَاجِرُهَا غُرَمَاؤُهُ إنْ كَانَتْ لَهَا صَنْعَةٌ.
فَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا صَنْعَةٌ فَلَا، وَلَيْسَ لِلْمَكَاتِبِ أَنْ يَتَسَرَّى. وَلَوْ فَعَلَ مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَامِّ الْمِلْكِ وَلَوْ وَلَدَتْ لَهُ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ بِهَذَا الْوَلَدِ حَتَّى يُعْتَقَ، ثُمَّ يُحْدِثُ لَهَا وَطْئًا تَلِدُ مِنْهُ بَعْدَ الْمِلْكِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلِلْمُكَاتِبِ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْزِعَ أُمَّ وَلَدٍ مُدَبَّرِهِ وَعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَسَرَّيَا وَلَيْسَ لِلْمَمْلُوكِ مَالٌ إنَّمَا الْمَالُ لِلسَّيِّدِ وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ لَهُ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مَا خَلَا الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ مَحُولٌ دُونَ رَقَبَتِهِ وَمَالِهِ. وَمَا كَانَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَهُ فَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ وَيَأْخُذَهُ السَّيِّدُ مَرِيضًا وَصَحِيحًا، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ كَانَ مَالًا مِنْ مَالِهِ مَوْرُوثًا عَنْهُ، إذَا عَقَلْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَهُمْ أَحْيَاءً فَقَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا كَانَ مَالِكًا وَمَا كَانَ مَالِكًا فَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ لِأُمِّ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ أَنَّهَا إنَّمَا تَمْلِكُهَا بَعْدَمَا تُعْتَقُ، وَكَذَلِكَ وَصِيَّتُهُ لِمُدَبَّرِهِ إنْ خَرَجَ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِوَرَثَتِهِ.
الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا جَنَى عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا جِنَايَةٌ عَلَى أَمَةٍ تُقَوَّمُ أَمَةً مَمْلُوكَةً، ثُمَّ يَكُونُ سَيِّدُهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا دُونَهَا يَعْفُوهَا إنْ شَاءَ أَوْ يَسْتَقِيدُ إنْ كَانَ فِيهَا قَوَدٌ أَوْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْجَانِيَةُ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الْجِنَايَةَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ أُخْرَى وَقَدْ أَخْرَجَ قِيمَتَهَا كُلَّهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: إسْلَامُهُ بَدَنَهَا فَيَرْجِعُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّانِي بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا بِقَدْرِ جِنَايَتِهِمَا، ثُمَّ هَكَذَا إنْ جَنَتْ جِنَايَةً أُخْرَى رَجَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّالِثُ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ فَكَانُوا شُرَكَاءَ فِي قِيمَتِهَا بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا قَوْلٌ يُتَوَجَّهُ وَيَدْخُلُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَسْلَمَ بَدَنَهَا إلَى الْأَوَّلِ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدَيْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا شَرِيكَيْنِ فَإِذَا قَامَ قِيمَتَهَا مَقَامَ بَدَنِهَا فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الثَّانِي إذَا كَانَ ذَلِكَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا، ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِهَا كُلَّمَا جَنَتْ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الْجِنَايَةَ فَإِذَا عَادَتْ فَجَنَتْ وَقَدْ دَفَعَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لَمْ يَرْجِعْ الْآخَرُ عَلَى الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ وَرَجَعَ الْآخَرُ عَلَى سَيِّدِهَا فَأَخَذَ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا وَالْجِنَايَةَ.
وَهَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ وَهَذَا قَوْلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute