مَهْرِ مِثْلِهَا وَأَنْتَ لَا تَجْعَلُ عَلَى زَوْجِ الْكَبِيرَةِ إذَا نَكَحَهَا بِلَا مَهْرٍ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تَطْلُبَ الْفَرْضَ أَوْ يَفْرِضَ أَوْ تُصَابَ إلَّا الْمُتْعَةَ؟ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ بِمَهْرٍ إلَّا عَلَى مَنْ أَجَازَ أَمْرَهُ مِنْ النِّسَاءِ فِي مَالِهِ فَيَرْضَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فَهُوَ مُطَلِّقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا مَهْرًا فَكَانَ لَهُنَّ الْمُتْعَةُ لِأَنَّهُنَّ عَفَوْنَ عَنْ الْمَهْرِ حَتَّى طُلِّقْنَ كَمَا لَوْ عَفَوْنَ عَنْهُ وَقَدْ فَرَضَ جَازَ عَفْوُهُنَّ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} وَالصَّغِيرَةُ لَمْ تَعْفُ عَنْ مَهْرٍ وَلَوْ عَفَتْ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهَا وَإِنَّمَا عَفَا عَنْهَا أَبُوهَا الَّذِي لَا عَفْوَ لَهُ فِي مَالِهَا فَأَلْزَمْنَا الزَّوْجَ نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا بِالطَّلَاقِ وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا لِافْتِرَاقِ حَالِهِمَا فِي مَالِهِمَا، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَرْضَ بِصَدَاقٍ إلَّا أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ فَكَانَ كَمَنْ سَمَّى صَدَاقًا فَاسِدًا وَلَوْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا فَعَفَاهُ الْأَبُ كَانَ لَهَا الصَّدَاقُ الَّذِي سَمَّى وَعَفْوُ الْأَبِ بَعْدَ وُجُوبِ الصَّدَاقِ بَاطِلٌ وَهَكَذَا الْمَحْجُورَةُ إذَا زُوِّجَتْ بِلَا مَهْرٍ لَا تُخَالِفُ الصَّبِيَّةَ فِي شَيْءٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَتَرَكَ لِزَوْجِهَا أَلْفًا فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا وَأَبُوهَا ثَلَاثَتُهُمْ يَخْتَصِمُونَ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ شُرَيْحٌ: تَجُوزُ صَدَقَتُك وَمَعْرُوفُك وَهِيَ أَحَقُّ بِثَمَنِ رَقَبَتِهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِلْبِنْتِ دُونَ الْأَبِ وَلَا حَقَّ لِلْأَبِ فِيهِ وَقَوْلُ شُرَيْحٍ " تَجُوزُ صَدَقَتُك وَمَعْرُوفُك قَدْ أَحْسَنْت وَإِحْسَانُك حَسَنٌ وَلَكِنَّك أَحْسَنْت فِيمَا لَا يَجُوزُ لَك فَهِيَ أَحَقُّ بِثَمَنِ رَقَبَتِهَا " يَعْنِي صَدَاقَهَا.
الْمَهْرُ الْفَاسِدُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فِي عَقْدِ النِّكَاحِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْعُقْدَةُ وَالْآخَرُ الْمَهْرُ الَّذِي يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ إلَّا بِمَا وَصَفْنَا الْعَقْدَ يَفْسُدُ بِهِ مِنْ أَنْ يُعْقَدَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَلَيْسَ الْمَهْرُ مِنْ إفْسَادِ الْعَقْدِ وَلَا إصْلَاحِهِ بِسَبِيلٍ أَلَا تَرَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ مُسَمًّى صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ عَقْدٌ بِمَهْرٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا تَرَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَكُونُ بِلَا مَهْرٍ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَلَا يَفْسُدُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَهْرٌ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ مَهْرُ مِثْلِهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُخَالِفُ فِيهِ النِّكَاحُ الْبَيْعَ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَمْ يَجِبْ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُك بِحُكْمِك فَلَا يَكُونُ بَيْعًا وَهَذَا فِي النِّكَاحِ صَحِيحٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَيْنَ أَجَزْت هَذَا فِي النِّكَاحِ وَرَدَدْته فِي الْبُيُوعِ وَأَنْتَ تَحْكُمُ فِي عَامَّةِ النِّكَاحِ أَحْكَامَ الْبُيُوعِ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إِلَى {وَمَتِّعُوهُنَّ} وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَفْرُوضِ لَهَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا كَمَا أَعْلَمَ فِي الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى زَوْجَةٍ وَالزَّوْجَةُ لَا تَكُونُ إلَّا وَنِكَاحُهَا ثَابِتٌ قَالَ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مَضَى وَلَا أَدْرَكْته فِي أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَأَنَّ لَهَا إنْ طَلُقَتْ وَقَدْ نَكَحَتْ وَلَمْ يُسَمِّ مَهْرًا الْمُتْعَةَ وَإِنْ أُصِيبَتْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَلَمَّا كَانَ هَذَا كَمَا وَصَفْت لَمْ يَجُزْ أَبَدًا أَنْ يَفْسُدَ النِّكَاحُ مِنْ جِهَةِ الْمَهْرِ بِحَالٍ أَبَدًا فَإِذَا نَكَحَهَا بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَهْرٍ حَرَامِ الْبَيْعِ فِي حَالِهِ الَّتِي نَكَحَهَا فِيهَا أَوْ حَرَامٍ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَعَقْدُ النِّكَاحِ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ بَاطِلٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَهْرًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ حَلَالٌ وَلَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهَا لَمْ تَرُدَّ نِكَاحَهُ بِلَا مَهْرٍ.
وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ بِثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى أَنْ يَدَعَهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ فَيَكُونَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَتَكُونَ الثَّمَرَةُ لِصَاحِبِهَا لِأَنَّ بَيْعَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ لَا يَحِلُّ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَلَوْ نَكَحَتْ بِهَا عَلَى أَنْ تَقْطَعَهَا حِينَئِذٍ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَهِيَ لَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute