«رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهِيَ فِي مِحَفَّتِهَا فَقِيلَ لَهَا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ كَانَ مَعَهَا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " أَيُّهَا النَّاسُ أَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ وَافْهَمُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ أَيُّمَا مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَقَدْ قَضَى حَجَّهُ وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَلْيَحْجُجْ، وَأَيُّمَا غُلَامٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّهُ وَإِنْ بَلَغَ فَلْيَحْجُجْ " أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ وَتُقْضَى حَجَّةُ الْعَبْدِ عَنْهُ حَتَّى يُعْتَقَ فَإِذَا عَتَقَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): هَذَا كَمَا قَالَ عَطَاءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْعَبْدِ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَقَدْ بُيِّنَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَنَا هَكَذَا وَقَوْلُهُ فَإِذَا عَتَقَ فَلْيَحْجُجْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَحُجَّ إذَا عَتَقَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَاهَا وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي عُبُودِيَّتِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا يَرَوْنَ فَرْضَ الْحَجِّ عَلَى أَحَدٍ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}
بَابٌ فِي الطَّوَافِ مَتَى يُجْزِئُهُ وَمَتَى لَا يُجَزِّئهُ؟
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَالْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَوْضِعٌ لِلطَّوَافِ فَمَنْ طَافَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ دُونِ السِّقَايَةِ وَزَمْزَمَ أَوْ مِنْ وَرَائِهِمَا أَوْ وَرَاءِ سِقَايَاتِ الْمَسْجِدِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فَحُفَّ بِهَا الْمَسْجِدُ حَتَّى يَكُونَ الطَّائِفُ مِنْ وَرَائِهَا كُلِّهَا فَطَوَافُهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الطَّوَافِ، وَأَكْثَرُ الطَّائِفِينَ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ بِالنَّاسِ الطَّائِفِينَ وَالْمُصَلِّينَ.
وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَطَافَ مِنْ وَرَائِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِشَيْءٍ مِنْ طَوَافِهِ خَارِجًا مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الطَّوَافِ وَلَوْ أَجَزْت هَذَا لَهُ أَجَزْت لَهُ الطَّوَافَ لَوْ طَافَهُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مَنْكُوسًا لَمْ يُعْتَدَّ بِطَوَافِهِ أَوْ لَا أَحْسَبُ أَحَدًا يَطُوفُ بِهِ مَنْكُوسًا لِأَنَّ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ لَوْ جَهِلَ، وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مُحْرِمًا وَعَلَيْهِ طَوَافٌ وَاجِبٌ وَلَا يَنْوِي ذَلِكَ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ وَلَا يَنْوِي بِهِ نَافِلَةً أَوْ نَذْرًا عَلَيْهِ مِنْ طَوَافِهِ كَانَ طَوَافُهُ هَذَا طَوَافَهُ الْوَاجِبَ وَهَكَذَا مَا عَمِلَ مِنْ عَمَلِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ يُرِيدُ بِهِ نَافِلَةً فَيَكُونُ فَرْضًا كَانَ فِي بَعْضِ عَمَلِهِ أَوْلَى أَنْ يَجْزِيَهُ وَلَوْ طَافَ بَعْضَ طَوَافِهِ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ إكْمَالِهِ فَطِيفَ بِهِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّوَافِ لَا يَعْقِلُهُ مِنْ إغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ عَارِضٍ مَا كَانَ أَوْ اُبْتُدِئَ بِهِ فِي الطَّوَافِ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَجْزِهِ حَتَّى يَكُونَ يَعْقِلُ فِي السَّبْعِ كُلِّهِ كَمَا لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَعْقِلَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا.
وَلَوْ طَافَ وَهُوَ يَعْقِلُ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ كَمَالِ الطَّوَافِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وَالطَّوَافَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا وَلَوْ طَافَ عَلَى بَعِيرٍ أَوْ فَرَسٍ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ كَثُرَ النَّاسُ وَاِتَّخَذُوا مَنْ يَحْمِلُهُمْ فَيَكُونُ أَخَفَّ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي الطَّوَافِ مِنْ أَنْ يَرْكَبَ بَعِيرًا أَوْ فَرَسًا وَلَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ فِيمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهُ مِنْ الثِّيَابِ كَانَ طَوَافُهُ مُجْزِئًا عَنْهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِيمَا لَبِسَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهَكَذَا الطَّوَافُ مُنْتَقِبًا أَوْ مُتَبَرْقِعًا.
بَابُ الْخِلَافِ فِي الطَّوَافِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَجْزِي إلَّا طَاهِرًا وَأَنَّ الْمُعْتَمِرَ وَالْحَاجَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute